ما زالت قضية خطف الرهائن في منشأة الغاز ”تغنتورين” بإن أميناس، تشغل أفكار المحللين السياسيين والمختصين في قضايا الإرهاب، التي تناقش عبر الفضائيات وتنشر في الصحف العربية والدولية، كما أعادت عملية الخطف هذه في الجزائر، إلى الضوء موضوع ”الجهاديين” العرب وبالأخص التونسيين الذين يبدو أنهم توزعوا على التنظيمات ”الجهادية” المسلحة في مختلف أنحاء العالم. فهل يمكننا أن نشاطر الرأي القائل بأن تونس تحولت إلى ما يشبه ”الخزان البشري” لتنظيم ”القاعدة”، وأنه أمر قد يُشكل تحديا بالنسبة للانتقال الديمقراطي في تونس، فقد أثبتت الأحداث المتواترة أن هذا الموضوع أصبح أمرا واقعا بالفعل وأن السلطات الرسمية ورجل الشارع في تونس لا يخفيان هذا الأمر، بل إن خشيتهما من تنامي هذه الظاهرة قد تزايد خاصة بعد أحداث العنف التي حدثت خلال الأشهر الماضية والمواجهات المسلحة مع قوات الأمن والجيش وما اكتشف من مخابئ الأسلحة، وما يحركها من فتاوى نارية ضد العملية الديموقراطية ككل، وضد مكتسبات المرأة التونسية، وهي كلها مظاهر باتت تهدد الأمن والاستقرار في تونس. هذا التردي يحمله القيادي في الحزب الاشتراكي، نوفل الزيادي، إلى الفريق الحاكم في البلاد، الذي تقوده حركة النهضة الإسلامية، ويعتبره فعلا مدبرا من ”غلاة الفاشية والإرهاب” الذين يعيشون في ظل الأزمات التي تزعزع المجتمع في كيانه وذلك من خلال نشر ثقافة الرعب والقتل التي أصبحت حسبه، أمرا واقعا في تونس باعتبار حالة التقهقر التي يعيشها الأمن التونسي على جميع المستويات، والتي حددها في ”عاملين اثنين، داخلي وخارجي والأساس العقائدي”، عامل خارجي يتمثل في ”الحقد الدفين الذي تكنه الأطراف الرجعية والحركة الوهابية على النموذج التونسي في جانبه التنويري والحداثي، المدني التقدمي، فيما يتمثل العامل الداخلي في صمت الطرف الماسك بزمام السلطة على هذه الممارسات، وضعف المعارضة في التصدي لهذه الظاهرة من منطلق أن ”الصراع الآن هو بين الجمهورية والاستبداد”. وكانت مصادر أمنية تونسية قد حذرت في أكثر من مناسبة من وجود معسكرات لإرهابيين داخل التراب التونسي، غير أن وزارة الداخلية بقيادة حركة النهضة الإسلامية، قللت من أهمية تلك التحذيرات، ووصفتها بأنها ”مبالغة ولا تستند إلى وقائع جدية”، مع أن التقارير الإعلامية التونسية تشير إلى أن المئات من الشبان التونسيين سبق لهم وأن ”تدربوا على السلاح وتكتيكات القتال داخل معسكرات على الأراضي التونسية”. وأوردت الجريدة قول الإعلامي التونسي نور الدين مباركي، بأن هذه الجماعات قد ”استفادت من مناخ الحرية، بعد 14 يناير 2011، ومن الظهور العلني للتيار السلفي، وبروز عديد الجمعيات التي نشطت تحت غطاء العمل الخيري، لتتوسع قاعدتهم بين المتعاطفين مع هذا التيار”... فيما تورد وكالات أجنبية أن تمويلهم يعود إلى الإمارة القطرية. تجنيد أكده رئيس الوزراء عبد المالك سلال حسب ”يو بي أي” التونسية، بإعطائه رقم 11 إرهابيا تونسيا ضمن المجموعة ”الإرهابية” التي نفذت عملية ”إن أميناس” من ضمن 32 مسلحاً.. والتي تقول عنها صحيفة القدس اللندنية: ”إنه وحسب تقارير إعلامية واستخباراتية دولية يوجد العديد من التونسيين الناشطين في صفوف التنظيمات ”الجهادية” المسلحة التي سيطرت على شمال مالي، وهو تطور لافت دفع بعديد المحللين إلى التحذير من تحول تونس إلى ما يشبه الخزان البشري لهذه التنظيمات المصنفة في خانة ”المنظمات الإرهابية”. وتؤكد الصحيفة أن عدد ”الجهاديين” التونسيين الناشطين حالياً في شمال مالي نحو 300 مسلح، سبق وأن كانوا في ليبيا، وعددا مماثلا لهم في صفوف تنظيم ”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الناشط في الجزائر خاصة. وتنقل الصحيفة عن الباحث التونسي المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، السيد صلاح الدين الجورشي، قوله ل”يونايتد برس إنترناشيونال”: إن المتابع لتطور الحركة الجهادية في تونس لا يفاجأ بمثل هذه المعلومات التي تتحدث عن تزايد عدد التونسيين في صفوف الحركات الجهادية المنتشرة على امتداد المنطقة العربية، فالعديد من التونسيين انخرطوا في هذه الشبكات الجهادية منذ فترة طويلة، والذين تجاوزوا مستوى الانخراط، حتى أن البعض منهم أصبح يحتل مواقع قيادية بهذه التنظيمات”. هذا الطرح تؤكده كذلك التقارير الإعلامية والاستخباراتية التي تشير إليها الجريدة: ”إن التواجد التونسي في صلب التنظيمات الجهادية يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي عندما انخرط البعض منهم في صفوف تنظيم ”القاعدة” الذي كان يحارب ”المد الشيوعي” في أفغانستان.. التي اعتقد بأنها ظاهرة قد مست كل أبناء المنطقة العربية، بينما هناك تقارير أخرى تشير إلى أن بعض التونسيين كان لهم دور فاعل في إطالة الحرب الأهلية في أفغانستان، إذ ينسب لهم مقتل القيادي الأفغاني ذي الأصول الطاجيكية ”أحمد شاه مسعود” في 9 سبتمبر عام 2000، بتجنيد من تنظيم ”القاعدة” لصالح حركة طالبان، وتؤكد ذلك باعتقال 12 تونسيا في أفغانستان وباكستان الذين تم نقلهم إلى معتقل غوانتانامو، وبروز عدد منهم في القتال في البوسنة أثناء الحرب البلقانية والذين تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات أفادت التقارير أنها كانت منتشرة حتى في تونس رغم التضييق الأمني التونسي عليها آنذاك.. ورغم المحاصرة الدولية ل”الجهاديين” ضمن إطار الحرب على الإرهاب”. كما تعتبر الجريدة تواجد التونسيين في صفوف التنظيمات ”الجهادية”، لا يختلف من حيث العدد ولا من حيث الرقعة الجغرافية التي تخضع للتوترات الأمنية.. ويحيلنا التقرير على العراق، الذي كان فيه انخراط التونسيين لافتاً، حيث تشير التقارير الأمنية إلى أن تفجير ضريح الإمامين العسكريين خلال شهر فبراير من عام 2006، كان من تنفيذ تونسيين، وأن مقتل عدد من الصحافيين العراقيين كان كذلك على يد تونسيين، ويوجد في داخل السجون العراقية عشرات التونسيين.. وهو ما لم تختلف عنه كثير من الجنسيات العربية الأخرى. كما تذكر الصحيفة إشارات المحللين إلى هذا التواجد التونسي الكبير في صفوف تنظيم القاعدة، الذي لم يعد يقتصر على أفغانستان والعراق، وإنما امتد ليشمل أيضا الشيشان ولبنان أثناء المواجهات بين الجيش اللبناني وتنظيم ”فتح الإسلام” في الشمال، ويؤكده اليوم التدفق على سوريا حيث يقاتلون هناك بالمئات في صفوف تنظيمات ”جهادية” منها ”جبهة النصرة” و”أنصار الشريعة”. لهذا فأنا أضم صوتي إلى صوت الصديق صلاح الدين جورشي، عندما يقول حسب جريدة القدس دائما: ”إن هذا التواجد التونسي في صفوف الشبكات الجهادية يدفع إلى دق ناقوس الخطر، لأن تنظيم ”القاعدة” والحركات القريبة منه تعتبر بأن تونس قد أصبحت مصدرا مهما لاستقطاب العناصر القتالية”. وأنا لا أذيع سرا إذا قلت إن الخطر لم يعد خطرا على تونس وحدها، بل أصبح خطرا علينا كذلك في الجزائر، وعلى الجزائر أن تربط مساعدتها للتنمية في تونس بالتشديد على مطاردة هؤلاء القتلة، إذ لا يستطيع بلدانا تجاوز هذا الخطر إلا ببرامج تنموية مشتركة، وخطط حقيقية وليست انتخابية لمحاربة الإرهابيين أينما كانوا وحيثما وجدوا..؟