دعانا السيد أبوجرة سلطاني، نحن مجموعة من الأساتذة (عبد العالي رزاقي، ناصر جابي، نذير مصمودي وصاحب هذه الكلمات)، لحضور لقاء لإطارات ومناضلي الحركة عقده بزرالدة، مع بداية أحداث ما سمي بالربيع العربي. بعد كلمة الافتتاح التي ألقاها رئيس الحركة أعطيت لنا الكلمة لندلي برأينا بكل صراحة في أداء حمس ودورها في المجتمع وكيف نرى مستقبلها. كانت وجهة نظري، التي شرحتها في هذه الندوة، أن الحركة (حمس) ارتكبت أخطاء كبيرة مما يجعلها اليوم تدفع ثمن هذه الأخطاء، فهي كانت، عشية الإنتخابات الرئاسية لسنة 2004، الحزب الوحيد المنظم والمهيكل والمنضبط. هذه الحركة تميزت باستقطابها للكفاءات الوطنية وبقدرة خارقة على التنظيم وعلى التواجد في كل جهات الوطن، وكان عليها أن لا تقع في الفخ الذي وضعته لها السلطة. ذكرت بأنه في سنة 2004 لم يكن من الأحزاب في الساحة السياسية سوى حركة مجتمع السلم، فالأفلان كان مقسما بين الذين اختاروا الشرعية فبقوا أوفياء لأمينهم العام السيد علي بن فليس وبين الذين رضخوا للإغراءات فانضموا للرئيس المترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة، أما الأرندي فلم يكن حزبا ولن يكون كذلك في أي يوم من الأيام، فهو مجرد تجمع لإداريين يؤتمرون بأوامر فوقية، كما أنه الجهاز الذي لم ينتج طوال مساره فكرا أو كتابا واحدا ولا أحد يعرف ما هي إيديولوجيته. هذا الوضع جعل من حزب أبو جرة سلطاني، في ذلك الوقت، أقوى وأهم حزب في الساحة السياسية الجزائرية، إضافة إلى أن النظام السياسي كان في أشد الحاجة لحزب إسلامي يتحالف معه ليظهر أمام الرأي العام الدولي بمظهر النظام المتفتح على المعارضة الإسلامية المعتدلة. كثيرة هي نقاط القوة التي كانت بين يدي قيادة الحركة والتي كانت أمامها أيضا خيارات عديدة منها: أولا، كونها حزبا سياسيا كبيرا ومتجذرا، كان من الأفضل لها أن تشارك بمرشحها في الانتخابات الرئاسية عوض التحالف مع مترشح ليس من صفوفها، ونلاحظ هنا أن فترة الانتخابات هي دوما مرحلة يرتفع فيها اهتمام المواطنين بالسياسة فتستغلها الأحزاب لتعرف ببرامجها وبرجالها مما يمكنها من جلب مناضلين أو متعاطفين جدد. ثانيا، كان عليها، عند الضرورة ولمصلحة الحزب، أن تتحالف مع أحزاب وليس مع شخصية وأن يكون التحالف بشروط تخدم الحركة وتكون في مستوى التضحية التي قدمتها بعدم ترشيح أحد إطاراتها لمنصب الرئاسة، من بين هذه الشروط أن تتحصل، مثلا، على بعض وزارات السيادة وليس مجرد وزارات لا أهمية لها؛ ثالثا، مادامت الحركة حزبا ذي توجه إسلامي فلماذا الانسياق وراء السلطة؟ ألم يكن الأفضل لها خدمة المجتمع دون أن تتولى مسؤولية تسيير هياكل لا تتحكم فيها كلية ؟ الحركة لم تأخذ بأي واحد من هذه الخيارات المتاحة وفضلت التحالف مع شخصية سياسية ويبدو أنها فعلت ذلك بدون شروط مسبقة ومكتوبة مما جعلها لا تتحصل في الأخير سوى على وزارات ثانوية. مشاركة حمس في السلطة جعلتها مسؤولة عن كل الأخطاء التي وقعت، وهي كثيرة، كما جعلها تفقد الصورة الإيجابية التي ترسخت لها في أذهان المواطنين لأن بعض ممثليها في الحكومة لم تبق أيديهم نظيفة وغمسوا مع المغمسين. كذلك كان رأيي الذي أدليت به في حضور الكثير من إطارات ومناضلي الحركة، وكان أن صفقوا على كلامي كثيرا عندما انتهيت، مما يعني أنهم استحسنوا رأيي. إن هذه الحركة التي تستدعي أساتذة جامعيين ليدلوا برأيهم، بكل حرية، في أدائها وحول مواقفها، ورغم نقدهم لقيادتها فأنها مع ذلك تواصل استدعاءهم للحديث في ملتقياتها، هي حركة تحمل بذور النجاح. بذور النجاح بدت للعيان قبل وأثناء مؤتمرها الأخير، فقبل المؤتمر أعلن رئيسها السيد أبو جرة سلطاني أنه لن يترشح لرئاسة الحركة مرة أخرى، مما يضمن حقا مبدأ التداول على قيادة الحزب، وأثناء المؤتمر، جرت الانتخابات، بشهادة الكثير من الحضور، في جو ديمقراطي ونظيف. حركة مجتمع السلم، التي قد نختلف كثيرا مع توجهاتها، لها كل المؤهلات لتصحيح أخطاء القتراب من النظام السياسي حد الإحتراق والانقسام والتفتت لتنطلق من جديد كحزب سياسي غير مهادن مع الفساد وسوء التسيير ولا قابل بفتات السلطة أو مفرط في حقوق الوطن، كما أن تصريح رئيسها الجديد المتعلق بتفتحها على كل من يريد بناء جزائر جديدة وسعيه لإعادة المنسحبين والمنفصلين إلى البيت الكبير، كل ذلك من شأنه أن يعيد للحركة بريقها ومجدها. ملاحظة: سبق لي أن وجهت الكثير من النقد للسيد أبو جرة سلطاني عبر الصحافة المكتوبة ومع ذلك بقى هذا الرجل يعتبرني من أصدقائه. إنها الممارسة السياسية في أنبل صورها، عكس أدعياء العصرنة والحداثة الذين لا يتسع صدرهم لأي نقد أو إختلاف.