نظم، خلال هذا الأسبوع، مهرجان لاتصال المؤسسات. تداول، بالمناسبة، العديد من المسؤولين والمختصين على منصة الخطابة وقالوا الكثير من الكلام المعروف حتى لدى عامة الناس لأن اتصال المؤسسة لم يعد يثير أي نقاش، لا في الجزائر ولا في دول العالم الأخرى، لسبب بسيط وهو أن الأدبيات حول هذا الموضوع أصبحت متوفرة والاختصاصات فيه مفتوحة في معظم الجامعات. تكلم إذن المشاركون في المهرجان عن كل الأشياء المعروفة لكن، حسب الأصداء التي وصلتني، لا أحد أشار لأهم قضية كان لابد أن تطرح قبل الحديث عن اتصال المؤسسة وهي: أين هي المؤسسة الجزائرية التي تتوفر على صفات المؤسسة؟ أطرح هذا السؤال لأنه لا يمكن الحديث عن اتصال المؤسسة في غياب شبه كامل للمؤسسة. بخلاف المؤسسة العسكرية المعروفة بنظامها وانضباطها، لا توجد، حسب علمي مؤسسة عمومية جزائرية واحدة ينطبق عليها اسم “المؤسسة”. المؤسسة ليست مجرد بنايات يتجمع فيها بعض الناس يأخذون رواتب شهرية منها مقابل بعض النشاطات التي يقدمونها، بل هي هياكل لها شخصيتها ونظامها وانضباطها وتجانس العاملين بها وإيمانهم بها حد الاستماتة دفاعا عنها ضد خصومها ومنافسيها وللرفع من شأنها وقيمتها. المؤسسة هي ثقافة وانتماء وإيمان عميق لدى كل العاملين بها بأهمية ما يقومون به لصالح مستقبلهم أولا ولصالح المجتمع ثانيا. المؤسسة هي استقلالية في اتخاذ القرار المناسب لحمايتها من الضعف أو الانهيار وعدم السماح لأي كان ومهما كان منصبه ومسؤولياته من أن يتلاعب بمصالحها أو يسعى إلى إضعافها. المؤسسة، سواء كانت عمومية أو خاصة، هي صورة إيجابية وشخصية معنوية تتواجد بقوة في دعم الاقتصاد الوطني. هي تمنح للمجتمع ولا تأخذ منه. هي تقدم المزيد للمجتمع ولا تنقص من ثروة البلد. هذه هي المؤسسة الحقيقية فهل توجد مثلها في الجزائر؟ المؤسف أنه لا تكاد توجد مؤسسة واحدة بهذه المقاييس. الكل، في المؤسسة الجزائرية، متفق على التعامل مع الهيكل الذي يأخذون منه أجورهم بعقلية البايلك. الكل ينهب والكل يأخذ ولا يقدم أو يضحي بأدنى شيء من أجل هذا الهيكل. لنذهب إلى أي إدارة عمومية ونتابع كيف يجري العمل وكيف يتم التعامل مع المواطنين الذين يقصدونها لقضاء حاجاتهم وسندرك أنه ليس لدينا إدارة وأن كل شيء يتم من اجل إتعاب المواطن البسيط وتعقيد ما هو معقد أصلا في حياته. لنذهب إلى أية شركة إنتاجية ونبحث فيها عما هو اقتصادي وعما هو مفيد للمجتمع وسنصدم بالكم الهائل من التبذير ومن سوء التسيير ومن النهب. سنجد أن الفساد عم الجميع: من البواب إلى المدير العام. الكل يمارس الفساد ومن لا يفسد تلفق له التهم الخطيرة ويسجن أو يطرد. لنقرأ ما نشر في الصحافة عن دولة الدولة، عن سوناطراك، التي هي أكبر وأهم “المؤسسات” الجزائرية والتي استثمرت الملايير في تكوين إطاراتها وفي الدراسات المتعلقة بالتسيير. لنقرأ ما نشر لندرك حجم الكارثة التي حلت بهذه الشركة. لما تعجز الدولة بكل “مؤسساتها” في إقناع الرأي العام الجزائري بصحة ما تقدمه من معلومات حول الوضع الصحي لرئيس الجمهورية، وعندما تصبح صفحات الشبكات الاجتماعية كالفايس بوك وغيره، والتي ينشئها الأطفال، هي أكثر مصداقية، لدى المواطنين، من تصريحات المسؤولين فمعنى ذلك أن كل هؤلاء الذين يقبضون أجورهم مقابل خدمة الدولة الجزائرية قد فشلوا. هذا هو حال “المؤسسة” الجزائرية: من البلدية إلى الوزارة وإلى ما فوق الوزارة، فهل يحق تنظيم المهرجانات وصرف الأموال وجلب الخبراء للحديث عن اتصال شيء ليس له وجود في الجزائر؟