تتوالى الدعوات في لبنان، الآن، إلى الجهاد. ولكن ضد حزب الله. وحجة الدعاة أن الأخير أرسل مجموعات من عناصره لتؤازر الجيش العربي السوري في المناطق السورية المحاذية للاراضي اللبنانية للحيلولة دون وقوعها تحت سيطرة الجيش الحر وجبهة النصرة. أنطلاقا من إعتبارها، في نظر الحزب المذكور حيوية بالنسبة له، مثلما أن أمن سوريا هو من أمنه. وهذه مسألة بديهية لا تحتاج الى برهان والى فتاوى رجال دين أو إلى آراء خبراء عسكريين. وتأسيسا عليها اتخذت المقاومة في لبنان موقفها من الحرب على سوريا، بما هي حرب الغاية منها ليس فقط أسقاط الدولة السورية ولكن أستئصال القوى التي تعترض على المشروع الأستعماري الإسرائيلي وعلى الهيمنة الأمبريالية الأميركية في لبنان وفي غير لبنان من بلاد العرب أيضا. قد نتفق أو لا مع هذا الموقف. ولكنه معطى تجلىّ واتضح. فلم يعد من الجائز اصولا، النقاش والمساجلة حوله. ينبني عليه ان الشجاعة الأدبية تقتضي الأعتراف والأخذ به، والتوقف عن التراشق بالإتهامات والشتائم. أكتفي بهذه التوطئة لأمهد بها للحديث عن محمد قطاع، الملقب بسلمو الحلبي، الصبي بائع القهوة في أحد أحياء حلب. الذي رفض أن يعطي أحد المرتزقة، في صفوف ” الثورة”، فنجان قهوة مجانا، قائلا أنه لو جاء النبي وطلب فنجان قهوة لما أدانه. أعتبر ”الثوار” كلام سلمو كُفرا بالله وسبا للنبي. فما كان منهم الا أن أمسكوا به واخذوه إلى مكان مجهول وأوقعوا به العذاب. ثم أحضروه إلى حيث ”ارتكب معصية التجديف على الله ونبيه”، وكان الناس قد أجتمعوا وأنضم أليهم والداه، لمعرفة مصيره. طرحوه أرضا وقالوا ”با أهل حلب الكرام أن الكفر شرك”، وأطلقوا الرصاص عليه. وغادروا. عذبوه في مكان مجهول. ولكن قتلوه امام ثلاثمائة شخص من ”الكرام”. هل حاول هؤلاء ثنيهم عن فعلتهم الشنيعة ؟ في اليوم نفسه، سمعت رجلا أشيب، موتورا، على محطة تلفزيونية لبنانية يُزبد ويتوعد حزب الله، بحرب لا تُبقي ولا تذر. وأعلن بأعلى الصوت أنه لو بُعث نبي المسلمين من جديد ووضع يده بيد هذا الحزب، لخوّنه. القول لهذا الرجل. الفرق بين الأخير وبين سلمو الحلبي، هو أن سلمو كان يعمل ولم يتجاوز الثالثة عشر، ليحصل لقمة العيش، له ولعائلته. وبالتالي كان صادقا. فليس بمقدوره أدانة أحد، فهل يعقل أن النبي كان سيأمر بقتله لانه طالب بحقه. اما الرجل اللبناني الأشيب فقد كان بذيئا وشتاما. المفارقة أنه حنق من حزب الله لأن هذا الحزب ذهب ليطرد من سوريا المرتزقة الذين يروعون الناس بأفعال، كمثل جريمة إغتيال الصبي سلمو الحلبي .فهذا الرجل الأشيب هو من أنصار قتلة سلمو ! وكأن الإساءة للنبي حلٌّ له ! لماذا قال الأسلاميون الثوار في سوريا ”لاهل حلب الكرام” أن إعدام سلمو الحلبي، حلال ٌ بحسب الشرع الإسلامي. ما ضر الأسلام لو بقي هذا الصبي حيا ً. هل أن وجوده كان يمثل خطرا على الأسلام، وعلى الثورة ؟ يحسن بالمناسبة التذكير بان والده أدّعى على قاتليه، امام ”المحكمة الشرعية” التي نصّبها الثوار الإسلاميون ! أستيلاب ! جملة القول أن موت سلمو عبرة لمن يعتبر ! أي مصير ينتظر الناس إذا أنتصرت جبهة النصرة ؟ إرتجعت هذه الحادثة الفاجعة امامي، حوادث مماثلة وقعت في فلسطينالمحتلة. قتل الجنود الإسرائيلون في إحدى المرات، تلميذة فلسطينية صغيرة السن، كانت في عمر سلمو أو أقل. برروا آنذاك الجربمة، بان مطلق النار، وكان في متراسه، أشتبه عليه أمر حقيبة الكتب، فظن أنها تحتوي مواد متفجرة، وأن الطفلة الفلسطينية هي انتحارية. ولكن ما وقع لسلمو الحلبي هو برأيي أقرب الى طريقة قّتل الفلسطيني محمد الدرة، التي استطاع أحد الصحافيين نقلها بالصوت والصورة. لم يكن محمد الدرة عندما أنهال عليه رصاص، يحمل حقيبة أو في وضع يمكنه من الهجوم على الجنود الأسرائيليين أو من تهديدهم بأي خطر. قادتني مداورة هذه الجرائم في الذهن، إلى التساؤل عن أحتمالية وجود مشترك نظري أو عملياتي (opérationnel) بين مرتكبيها. أو أن تشابه النهج الذي يسلكه الأخيرون أنما هو محض صدفة. أذ كيف نفسرأن رجلا مدججا بالسلاح، مكتوم الهوية، يُقدم على قتل صبي في وضح النهار وعلى مرأى من الناس، كسلمو الحلبي ومحمد الدرة والطفلة الفلسطينية في طريق عودتها أو ذهابها إلى المدرسة. من المعروف أن المستعمرين الأسرائيليين، من خلال تجارب العيش في ظل احتلالاتهم، والتواجد في المناطق التي تعرضت لإعتداءاتهم، يحاولون دائما ضرب هدف مدني (مدرسة، ملجأ، الأميركيون قصفوا ملجأ العامرية في بغداد فمات أربعمائة عراقي مدني حرقا) بغية أيقاع عدد كبير من القتلى دفعة واحدة وفي مكان واحد، من أجل إحداث صدمة تشل القوة والعقل. غير أن منطق أعدام الأطفال رميا بالرصاص مختلف من وجهة نظري عن الأرهاب العسكري الإسرائيلي في زمن الحرب. فأنا أميَلُ إلى الإعتقاد بأن الصبي الفلسطيني محمد الدرة ليس في مخيّلة الجندي الأسرائيلي الذي اطلق النار عليه، انسانا، بل هو من فصيلة الكائنات الحية الضارة التي يتوجب أجبارها على الهروب أو إبادتها. في المقابل، أن إعدام الصبي سلمو الحلبي ينم من وجهة نظري عن سلوك غايته أستلاب عقول الناس وتدجينهم وأستعبادهم. شكا والدُ سِلمو الأسلاميين الذين قتلوا ابنه إلى ”المحكمة الشرعية” التي نصّبها الأسلاميون! أخشى ما يخشى أن تنجح ثورة الإسلاميين، وقد تحالف الأخيرون مع الولاياتالمتحدة الأميركية وأمتشقوا سلاحها وأمتلؤوا بأموال النفط والغاز. توسلوا مفهوما غريبا للدين، يفرضونه فرضا. ليصير الناس في بلاد العرب كما مهملا في محميات التجميع. يصطاد المستعمرون الأسرائيليون أطفالهم. يأمر الأسلاميون باسم الدين، ولا يتركون خيارا إلا الطاعة العمياء. كأن لسان حالهم يقول، ايها ”الكرام”، هذا هودينكم نقرأه عليكم فاستجيبوا لنا. ان عقابنا لشديد ! هل ستقضي ”المحكمة الشرعية” لوالد سلمو بإعطائه ثمن فنجان القهوة أم ثمن ولده؟