لا أدي لماذا يصف المعلقون على تنحي أمير قطر من الحكم الأمر بالقرار الديمقراطي والشجاع وغير المسبوق. ربما هو غير مسبوق في البلدان العربية، التي تحولت حتى جمهورياتها إلى ملكيات، وفي قطر نفسها التي ألفت التغيير عن طريق الانقلابات! فعندما تسمع القرضاوي يعلق على اختيار مولاه الأمير الشيخ تميم، لأنه الأصغر سنا، وبذلك يكون أمام الإمارة خمسون سنة من الاستقرار في الحكم، نفهم أن الخيار جاء لأسباب أخرى لا علاقة لها بالديمقراطية، وهي إبعاد والده عن المشهد، بعد أن ورط الإمارة في قضايا أكبر من حجمه، بل وورط المنطقة كلها في فوضى عارمة، ولم يعد يعرف كيف يلملمها. فالأمير الجديد مطالب ليس بالتوجه في نفس الاتجاه وبنفس السرعة التي سار بها والده، خاصة على مستوى السياسة الخارجية، إنما أيضا هو مطالب بمراجعة جادة لهذه السياسة تجاه القضايا العربية، وتحديدا تجاه الملف السوري الذي يكون أحد أهم الأسباب التي عصفت بحكم الأمير ووزير خارجيته، الذي غاب أول أمس، من طابور المبايعين والمهنئين، بعدما تبين أنه وراء تسليح الجماعات المتطرفة سواء في سوريا أو في ليبيا قبلها. كما أنه مجبر على فك ارتباطه بتنظيم الإخوان الذي تعاظم دوره في الساحة العربية بفضل التمويل القطري. وبدور ”الجزيرة”، التي كانت قناة إخوانية بدون منازع منذ تأسيسها. وإن كان البعض يعتبر أن الأمير الجديد أكثر قربا من التنظيم من والده، وأن تعيينه على رأس الإمارة هو لأخونتها، لتكون منسجمة في الساحة العربية مع حكومات ”الربيع العربي”، التي وصلت بالدعم والمال القطريين إلى الحكم. الأمير يعرف أن أمريكا والغرب لن يسمحا له بإطلاق يده في المنطقة العربية، خاصة في ليبيا، حيث حاول الشيخ تميم فرض إملاءاته على النظام الجديد، مثلما يروي شلقم في كتابه الصادر نهاية السنة الماضية (نهاية القذافي)، حيث قال الأمير الجديد وولي العهد السابق لشلقم وشخصيات ليبية إن بلاده التي صرفت 3 ملايير دولار في ليبيا، لم تصرفها هكذا، وإنما ليكون لها دور في الحكم فيها، وخاصة تسيير قطاع المحروقات، وهو الكلام الذي لم يعجب الغرب، الذي يكون وجه إنذارا لقطر بأن تنسى أطماعها في ليبيا، وهو ما حصل. الدليل على ما أقول، أن الأمير تميم في أول خطاب له أمس، ركز على مواصلة الاستثمار والبناء، على إتمام مسيرة البناء الداخلي التي بدأها والده، ولهذا السبب ربما نصب وزير الداخلية السابق رئيسا للوزراء، ولم يركز على دعم الثورات العربية، ولا على ما يجري في سوريا، وهو ما يعني أن الإمارة لن تكون عرابا للحراك العربي مثلما كانت في عهد والده. ينتظر أيضا من الأمير الجديد، بل هو مجبر، على لجم القرضاوي الذي أدت فتواه إلى إشعال حرب طائفية في المنطقة العربية، حرب تتحمل تبعاتها قطر. قطر تميم لن تكون هي قطر أحمد مثلما يتوقع البعض، وإن كان تغيير الوجهة سيكون سلسا ومن غير ضجيج!؟