التجول بمحلات مرسيليا يترك لدى الزائر انطباعا قويا أنه في أحد شوارع الجزائر.. رائحة التوابل والحلويات الشرقية كالزلابية والمقروط وغيرها، تعكس جليا التواجد والحضور القوي الأبناء الجالية الجزائرية بمدينة مرسيليا الساحلية. وغير بعيد عن قلب المدينة، وجدنا بعض التجار الموسميين نساء ورجال، يمتهنون بيع المطلوع والقطايف، وجميع الأصناف الأخرى من الخبز التقليدي الجزائري. كما أن سكان منطقة القبائل يتركون أيضا بصماتهم في أزقة مرسيليا، من خلال عرضهم لقارورات زيت الزيتون و”الكرموس” بأسعار جد منخفضة، مثلما هو الأمر للسيد مخلوف من مدينة عزازڤة، الذي يكتفي كل مساء بركن طاولة صغيرة لعرض المنتجات التي تحتاجها جاليتنا هناك. ويقول إنه ”ملزم بنقل رائحة البلاد للمهاجرين، لأنهم يحبون ذلك خاصة خلال الشهر الكريم”. وبمجرد قضاء ساعات بمدينة مرسيليا العتيقة التي بنتها سواعد المهاجرين الجزائريين، يشعر الزائر أنه في الولاية 49 للجمهورية الجزائرية، لاسيما أن اللهجة الجزائرية حاضرة بقوة وسط هذه المساحات التجارية التي تعرض أيضا ألبسة تقليدية لمختلف الأعمار والمناسبات. يهود مرسيليا يعيشون على خيرات العرب والجزائريين في أزقة مرسيليا العتيقة، أين يقطن أفراد الجالية الجزائرية بكثرة، ينشط اليهود بشكل ملفت للنظر. يقول سكان مدينة مارسيليا الذين تحدثنا إليهم، إن تواجد اليهود في الأحياء الخاصة بالمسلمين والعرب مرتبط بالأرباح التي يحققونها من التجارة، الآن العرب يقتنون السلع بكميات كبيرة وليس بالتجزئة التي لا تعود بالمردودية والربح على التجار اليهود الذين يمتهنون تجارة كل شيء. وقال سمير شعابنة، نائب الجالية الجزائرية عن حزب المستقبل بجنوب فرنسا، ومقيم بمرسيليا، إن انتعاش التجارة والإقبال على السلع بمحلات فرنسا يساهم فيه العرب بشكل كبير، خاصة الجزائريين. وتظهر مفارقة كبيرة بمدينة مرسيليا حيث تتوزع على أحياء للعرب، أين يوجد عدد كبير من أفراد الجالية الجزائرية والمغاربة والقليل من التونسيين، مثلما هو الأمر بحي لي دومينيكان، وهي أحياء عتيقة جدا غير بعيدة عن الميناء القديم، كما توجد كتدرائية جميلة جدا لم نستطع زيارتها بسبب أشغال ترميم بها كونها أحد المعالم الحضرية الدينية للمدينة. وتوجد بهذا الحي مطاعم عربية وجزائرية بصفة خاصة، تعتمد في إعداد أطباقها على اللحم الحلال، وينشط بها شبان جزائريون التحقوا بفرنسا في إطار التجمع العائلي أوبطرق غير شرعية مرورا بإسبانيا بعد الإبحار عبر ”قوارب الموت” من ميناء وهرانأوالجزائر. متقاعدون يستفيدون من قانون 48 لحماية المسنين نهاية مسيرة الهجرة ليست دائما جميلة، حيث يوجد العديد من المتقاعدين ممن التحقوا بالأراضي الفرنسية سنوات السبعينيات في وضعية بدون إقامة ”اس. دي. اف”، وسكان فندق التفاحة نموذج حي لذلك. غير أن القوانين الفرنسية تضمن عدم التواجد بالشوارع وتلزم مستقبليه لإيوائهم إجباريا، حيث وضع القانون الفرنسي رقم 48 الخاص بحماية كبار السن. السيدة مليكة زايدي، الجزائرية الأصل، مديرة فندق التفاحة بمدينة مرسيليا في حالة إفلاس حقيقي، حيث يقطن بالفندق المتقاعدون الجزائريون من أصحاب الدخل الضعيف، 400 أورو شهريا، إذ لا يسمح لها القانون السالف الذكر بحماية المسنين ممن طردوا من غرفهم حتى وإن كانوا لا يدفعون حقوق الإيواء. وتروي صاحبة فندق التفاحة قصتها مع هذه الشريحة من المواطنين الجزائريين، الذين انتهى بهم المطاف بفندقها وهي عاجزة عن تسوية وضعيتهم مع السلطات الفرنسية، لأن نشاطها التجاري تعثر بسببهم. كما أن المراسلات العديدة التي قامت بها لم تتوج بأي حل. العودة من مرسيليا بحرا لا تخلو من المفاجآت العودة من مرسيليا بحرا على متن باخرة طارق ابن زياد من فرنسا باتجاه الجزائر، ليست دائما خالية من المفاجآت والحوادث المؤلمة، التي تعقد أحيانا مهمة قائد الباخرة الصعبة أصلا، وتصنع سيناريوهات انتحار الجزائريين بحرا، من المطرودين بقوة القانون للوطن، كالمهاجرين غير الشرعيين. باخرة طارق ابن زياد، تخفي بين جدرانها العديد من الأسرار، لا تظهر للعيان أمام حلاوة استقبال طاقمها للمسافرين، لكن في جلسات ودردشات مع قائد الباخرة، السيد مالكي، الذي تخفي تجاعيد وجهه خبرته في إدارة الصعاب في عرض البحر وأكبرها إنقاذه لأفراد الجالية من تداعيات الحرب الليبية. الأسرار التي أطلعنا عليها قائد الباخرة ونحن نرتشف معه فنجان القهوة أكدت لنا أن الرحلة بالباخرة ليست بالسطحية التي يراها البعض في انشغالات الأكل والإيواء والماء الساخن في الحمامات. ومن بين تلك المشاهد المأساوية التي حدثنا عنها السيد مالكي وقوفه بمرارة على بعض الانتحارات التي قام بها بعض المطرودين من فرنسا إلى الجزائر بقوة القانون. ويروي البحار أن تلك الانتحارات التي نفذها المطرودون من الأراضي الفرنسية شكلت صدمات للطاقم، ولم يتمكنوا من تغيير نهايتها المأساوية رغم تدخلهم. والأيام العجاف داخل الباخرة التي تصنع سيناريوهاتها الانتحار ليست مقتصرة على الحراڤة ومن ترفض ملفاتهم السياسية حكومة باريس، وإنما تصل أحيانا إلى تصفية حسابات شخصية، واقتراف جرائم قتل داخل الباخرة، مثلما هو الأمر لعملية قتل نفذها أحد الركاب في حق طفل بريء.. إقامة سجن بالباخرة لحفظ النظام وسلامة الركاب كما تشكل عمليات الكر والفر أيضا مشاهد حفظ الأمن داخل الباخرة المتفرعة المنافذ والوجهات، حيث يتسلل أحيانا حراڤة بطرق مختلفة إلى الباخرة قصد الوصول للوجهة الأخرى، وهو ما يفسر، حسب السيد مالكي، تخصيص سجن بالباخرة من أجل معالجة مثل هذه الحالات والتحكم فيها. ويتوفر السجن على العديد من المرافق الضرورية لنقل المجرمين، ومن يرتكبون مخالفات من شأنها إلحاق الضرر بالطاقم أوالمسافرين على متن الباخرة بصفة عامة. أحزاب اليسار الفرنسي أكثر استقطابا للجزائريين فرنسا لم تعد فقط لأصحاب المهن الشاقة واليدوية، وإنما حجزت الجالية الجزائرية مساحة لها حتى بالأحزاب السياسية لكن بعد الاستفادة من الجنسية الفرنسية، حيث انخرطت العديد من الإطارات الجزائرية التي غادرت الوطن خلال سنوات الإرهاب في الأحزاب اليسارية الفرنسية، باعتبارها الأقرب إلى أفراد الجالية لإقرارها لمبدأ المساواة بين الفرنسيين وابتعادها عن التمييز العنصري في برامجها السياسية، وهي بعيدة عن فلسفة أحزاب اليمين. وفي هذا الصدد يروي لنا محمد بلجحام، جزائري الأصل وإطار في قطاع التربية، أن أحزاب اليسار هي الأكثر استقطابا لأفراد الجالية الجزائرية الذين لم يروا في الجزائر مستقبلا لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم، أمام العراقيل البيروقراطية العديدة والفساد المنتشر في جميع الأنحاء والقطاعات والتهميش الذي يطال الطاقات الشابة والمتعلمة. ويروي محمد بلحجام تجربته عندما غادر الوطن في وقت العشرية السوداء وفضل الاستقرار بفرنسا، ليقوم بعدها بتسوية وثائقه في الانطلاق في برنامج تربوي خاص بتدريس اللغة الانجليزية، ثم التحق بحزب ”الخضر” الذي يعتبره أقرب الأحزاب لنهجه وتفكيره ونموذجا للأحزاب السياسية المدافعة عن التنوع. وأكد أن إطارات جزائرية عديدة، لاسيما الأطباء والصيادلة، قد التحقوا بأحزاب اليسار المتعددة بما فيها الحزب الاشتراكي للرئيس فرانسوا هولاند. ويقول محدثنا إن تواجد الجالية الجزائرية بالأحزاب الفرنسية يخدمها أكثر، ويساهم في تحقيق العديد من مشاريعها وحل مشاكلها بفرنسا، حيث يعكف المتحدث على إعداد مشروع لإقامة مدرسة للغة العربية بفرنسا تكون ملجئ لتلقين اللغة العربية للأجيال الصاعدة حتى تحافظ على ثقافتها.