تشير كل المؤشرات الراهنة إلى فشل ديموقراطية مصر التي جاءت عن طريق صناديق الاقتراع وصُدم المصريون بالواقع السياسي والأمني للبلاد الذي حرمهم من فرصة تحقيق حلمهم المنشود الذي جاء قبل اكتمال مؤسسات الدولة التي لم تتعد مرحلة إعادة الهيكلة، ولأن الديمقراطية التي تنادي بالعدالة الاجتماعية لم تجد لها مَرْسَى على شاطئ الحرية قبل اندماجها في مجتمع عانى طويلا من الديكتاتورية والفروق الاجتماعية، وتوسّم كثيرا في ثورة ال25 يناير دخلت البلاد في احتقان سياسي وأمني خطير في انتظار نتائج ثورة ال 30 جوان التي أطاح فيها الانقلاب العسكري بالرئيس السابق محمد مرسي وأدخل البلاد المرحلة الانتقالية ويجلس عدلي منصور على رأس السلطة إلى حين. يبدو أن المشهد ذاته في مصر هدوء نهاري وغليان ليلي تتخلله المواجهات ذاتها بين أنصار مرسي ومعارضيه التي تخلّف في كل مرة ضحايا من الجانبين، غير أن ما تعيشه مصر من اشتباكات يومية واستمرار الإخوان في الاعتصام وتمسكهم بالعودة إلى الشرعية ودخولهم في مواجهات مع معارضيهم وقوات الأمن وعدم التزامهم بسلمية الظاهر دفع بأطراف عدة إلى وضعهم في فوهة المدفع، واتهامهم بالتجاوزات المرتكبة في حق المدنيين وعناصر الشرطة، كما سمح للبعض الآخر بالتقليل من فعالية تظاهراتهم خاصة من التيار المعارض، واصفين إياها مجرّد نفخ في بوق، ناهيك عن مسودة الدستور التي لم تحض بإجماع الأطراف السياسية خاصة من قبل تكتل القوى الثورية المكون من حزب 6 أبريل، حزب الجبهة الديمقراطية، اتحاد شباب الثورة، حزب المساواة والتنمية، حزب العدل، ائتلاف ثوار مصر، اتحاد شباب ماسبيرو، حزب الدستور وحركة مينا دانيال وتطالب بدستور جديد بعيدا عن تعديلات دستور المرحلة السابقة. طارق الخولي مؤسس حزب 6 أبريل ”نرفض تعديل دستور مرسي ونطالب بدستور جديد” وهو ما ذهب إليه طارق الخولي مؤسس حزب 6 أبريل الذي اتهم الإخوان بإتباع سياسة الأرض المحروقة ومحاولة جرّ البلاد إلى حرب أهلية بالتحريض على العنف، مشيرا إلى أن ما يحدث اليوم مع أنصار مرسي مجرد اعتصامات محدودة العدد والمكان ترتكز على ميداني رابعة العدوية والنهضة، وأضاف أن الإخوان في ورطة ويحاولون الخروج منها بأي وسيلة حتى وإن كان ذلك على حساب الأرواح البريئة، والاتهامات الموجهة يوميا إلى عناصر الأمن بالاعتداء على جماعاتها المرابطة في الشوارع، معتبرا أن لسان حال هؤلاء هو الدفاع عن أنفسهم، واعترف الخولي بوجود أزمة سياسية حقيقية وهو ما دفع حسبه الفريق عبد الفتاح السيسي إلى المطالبة بتفويض شعبي لمحاربة الإرهاب لأن البلاد تمر بظرف استثنائي نافيا أن تكون خطوته دعوة لإراقة دماء المصريين، بدليل خروج 40 مليون مصري لمباركة خطوة قائد الأركان، كما أنه بعد جمعة التفويض لم تحدث تجاوزات من طرف الجيش الذي يحاول بطريقة سلمية فض اعتصام الإخوان الذين لا يتجاوز عددهم في الميادين النصف مليون شخص، مُقرّا في الوقت ذاته بتسليح الجماعات الإسلامية بدليل حدوث عمليات إطلاق نار فيما بين الإخوان وعلى عناصر الأمن لمحاولة تضليل الرأي العام العالمي وكسب استعطاف الدول وبخصوص دعاوي الغرب للإسراع بحل الأزمة قال مؤسس 6 أبريل أن منطق الغرب فيما يتعلق بمصر غريب جدا بما فيها أمريكا، تركيا وإيران والسبب كما قال راجع إلى المصالح التي تربطهم بجماعة الإخوان والتي اضمحلت وتلاشت برحيل مرسي عن السلطة. وبشأن المعارضة التي يتبناها تكتل القوى الثورية الذي ينضوي تحته حزب 6 أبريل قال الخولي أن التكتل يرفض رفضا قاطعا تعديل الدستور السابق ويطالب بآخر جديد يتماشى مع المرحلة لأن دستور مرسي غير قابل للتعديل لما يكتنفه من خلل عام وتداخل للسلطات خاصة ما تعلق منها بالسلطة التنفيذية والتشريعية بالإضافة إلى أن الدستور السابق يجعل رئيس الجمهورية هو الحاكم الفاصل بين السلطات، واستبعد طارق الخولي أن تكون مصر على أبواب حرب أهلية كما يرى البعض مؤكدا إنهاء الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد في القريب العاجل عن طريق المشاورات والحوار البناء. المحلل السياسي عماد جاد: ”الإخوان اليوم أقلية في مواجهة القوى السياسية والجيش” من جانبه نفى الدكتور عماد جاد دخول مصر في حرب طائفية لأن ذلك معناه مجتمع منقسم وتصارع على الهوية وهذا لا أساس له، لأن ما يجري اليوم سببه تعنّت تيار واحد وهم الإخوان الذين رفضوا تقبّل الخسارة والرضوخ للأمر الواقع، مشيرا إلى أن الشعب المصري أدرك لعبة الإخوان وفشلهم في تجسيد مطالب ثورة يناير بسعي مرسي إلى أخونة الدولة والسيطرة على أجهزتها الحساسة، وذكر المحلل السياسي بأن جماعة الإخوان المرابطة في الشوارع لا تتعدى المليون منها حوالي 100 ألف في ميدان رابعة ومجموعة صغيرة في النهضة والبقية شتات في مناطق متفرقة، مؤكدا أنه سيتم فض اعتصامات أنصار مرسي قريبا سواء بإقناعهم بانتهاء الوضع والاستسلام أو عن طريق تدخل الجيش، وأضاف أن التحجج بالانتخابات التي أوصلت مرسي إلى السلطة مجرد قصة لأن الواقعة أصبحت من الماضي والإخوان فشلوا في صيانة أصوات المصريين الذين وضعوا ثقتهم في الجماعة، وأضاف جاد أن النسبة التي أنجحت مرسي انشقت عنه اليوم كما أن فوزه كان بفارق طفيف على منافسه أحمد شفيق وهم اليوم أقلية في مواجهة تحالف القوى السياسية الأخرى، وعن قضية لجوء الفريق السيسي إلى التفويض الذي أجاز له استعمال القوة لمحاربة الإرهاب بدل استفتاء الصناديق قال الدكتور أن وضع البلاد لا يسمح بتنظيم انتخابات بهذا الشأن خاصة وأنها تتطلب ترتيبات طويلة لا يمكن للمصريين انتظاره، مشيدا بخطوة السيسي التي باركتها جهات عدة على غرار الأزهر، الكنيسة وكذا المؤسسة العسكرية وأضاف أن الدستور القادم سيبين حجم التقدم في المسار السياسي على الرغم من وجود خلافات على بعض مواده لكن المشاورات حثيثة لتعديله حتى وإن مسّت العملية 230 مادة التي يضمها الدستور. حاولنا معرفة رد الإخوان على الاتهامات الموجهة إليهم لكن انشغالهم بالتحضير للإعتصامات حال دون ذلك، حيث يواصل أنصار مرسي تحديهم لوزارة الداخلية التي وعدت بإخلاء الشوارع المصرية في القريب العاجل، ودعا أنصار مرسي إلى تنظيم مليونية جديدة اليوم رافعين المطلب ذاته عودة الرئيس المخلوع إلى السلطة، فيما لم تنعم بعض المناطق المصرية بالهدوء الذي ساد نهار الأحد وما أن أطبق الظلام على البلاد حتى اشتعل وسط القاهرة باشتباكات بين مؤيدي الرئيس المخلوع مرسي وأهالي عزبة ”أبوحشيش” القريبة من ميدان رمسيس وسط القاهرة، إثر إقدام العشرات من الإخوان على رشق الأهالي بزجاجات المولوتوف الحارقة والاعتداء على الأهالي بطلقات الخرطوش، ما أسفر عن احتراق 12 منزلا بحسب روايات محلية وعلى صعيد التطورات الأمنية بسيناء أفادت مصادر أمنية أمس عن مقتل جنديين وإصابة عدد آخرين في هجمات بمحافظة شمال سيناء شنها مسلحون يعتقد أنهم متشددون إسلاميون يؤيدون الرئيس المعزول محمد مرسي، فيما تحضر القوات المسلحة والشرطة لشن عمليات عسكرية موسعة بالمحافظة ضد العناصر الإرهابية، بعد انتهاء المهلة التي حددها القائد العام وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول عبد الفتاح السيسى كفرصة أخيرة لتوحيد صف الوطن قبل البدء في محاربة العنف.