التعريف بالكتاب: كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم: .. فقد نرى أن المحجَّبات مهما بالغن في التحجُّب لا يستنكفن أن يختلطن بنساء أحط منهنَّ في الدرجة، وأبعد عن التصوُّن والعفَّة،فسيدة المنزل لا ترى بأساً في مخالطة زوجة خادمها بل قد تأنس بالحديث معها وسماع ما تنقله إليها من غير مبالاة بما يلائم الحشمة وما لا يلائمها، ولا تأنف التفتُّح في القول مع الدلالات وبائعات الأقمشة. بل قد يطوِّحها الجهل إلى الاختلاط بنسوة لا تعرف شيئاً من حالهنَّ، ولا من أي مكان أتين، ولا بأي خلق من الأخلاق تخلَّقن، وأشنع من هذا كله وأشدُ منه فعلا في إفساد الأخلاق أن نساء من المومسات اللاتي يحملن تذكرة رسمية يُدعين في الأفراح ويرقصن تحت أعين الأمهات والبنات والكبار والصغار! هذا ما يأتي من سوء التربية، وهو من أشدِّ العوامل في تمزيق ستار الأدب وليست رقة الحجاي بشيء في جانب هذا كله. طرقت ديارنا حوادث وداخلنا من الاختلاط مع أمم كثيرة من الغربيين، ووُجدت علائق بيننا وبينهم علَّمتنا أنهم أرقى منا وأشَّد قوة، ومال ذلك بالجمهور الأغلب منا إلى تقليدهم في ظواهر عوائدهم خصوصاً إن كان ذلك إرضاءً لشهوة أو إطلاقاً من قيد، فكان من ذلك أن كثيراً أعليائنا تساهلوا لزوجاتهم ومَنْ يتَّصل بهنَّ من النساء وتسامحوا لهنَّ في الخروج إلى المتنزهات وحضور التياترات ونحو ذلك، وقلدهنَّ في ذلك كثير ممَن يليهنَّ؛ وعرض من هذه الحالة بعض فساد في الأخلاق. تلك الحالة طرأت للأسباب التي تقدّمت وتبعتها من العواقب ما بينَّاه، ولكن ليس من مصلحتنا-بل ولا من المستطاع لنا -محو هذه الحالة والرجوع إلى تغليظ الحجاب، بل صار من متممات شئوننا أن نحافظ عليها، ونتقي تلك المضار التي نشأت عنه؛ وذلك ما نستطيعه أيضاً. أمَّا أنه ليس من مصلحتنا أن نمحو هذه الحالة؛ فلما قدَّمناه في مضار الحجاب على الوجه المعروف، وأمّا أننا لا نستطيع ذلك؛فلأن أسباب هذه الحالة ممّا فصلناه سابقاً لا تزال موجودة، وهي تزداد بمرور الزمان رغما عنا، ولأننا قد وجدنا من أنفسنا ميلاً إلى حسن المعاملة في معاشرة النساء، وزيِّن في أنفس الكثير منا حبُّ المجاملة في مرضاتهنَّ، ونزلت لهن في قلوب الرجال منزلة من الاعتبار لم تكن لهنَّ من قبل، وحسَّت النساء بذلك من رجالهن؛ فعددن ما وصلن إليه من الحرية والإطلاق حقاً من الحقوق، وضرورياً من ضرورات المعيشة فلا يسهل على الرجل أن يقضي على امرأته اليوم بما كان يقضي به قبل أربعين سنة. والذي يجب علينا هو معالجة المضار التي تظَنُّ أنها تنشأ عن تخفيف الحجاب، ولا توجد طريقة أنجع في ذلك العلاج إلا التربية التي تكون هي الحجاب المنيع والحصن الحصين بين المرأة وبين كل فساد يُتوهّم في أية درجة وصلت إليها الحرية والإطلاق.. يتبع.