في رحلته إلى موسكو حمل الشيخ بندر معه من الرسائل الإغرائية ما يكفي لصنع المستحيل وتليين الصخور غير أن بوتين الذي استمع طويلا وبأناة لكل ما تقدم به البندر وانتظر حتى أفرغ كل ما في جعبته، كان الرد في غاية الاختصار حيث قال : تهديدك لنا بالشيشان لا يقلقنا وتلويحك بإبرام صفقات النفط والغاز لا يمكن لها أن تزكم أنوفنا وتغرينا، وطلبك بالتخلي عن إيران غير مسموع وكذلك الحال بالنسبة للتخلي عن النظام في سوريا والذي قدمته من إغراءات لا قيمة لها عندنا ولا حاجة لنا بها مافينا كافينا وأضاف بوتين علاقاتنا مع إيران إستراتيجية أما تركيا فبيننا وبينها مما يجمعنا أكثر مما يفرقنا ونحن نختلف ونتفق، أما التلويح بأن النظام الذي سيطبق في سوريه مستقبلا هو ديمقراطي وأن أكلة الأكباد ما هم إلا أدوات سرعان ما نبعدهم عن الساحة فور ما تحلمون به من انهيار نظام الرئيس الأسد فإن فاقد الشيئ لايعطيه، وبالتالي فقد استطاع بوتين بهدوئه أن ينفس البالون البندري بإبرة جد رقيقة ولم يحتج إلى كبير عناء فتبددت أحلام البندر في الهواء وأفرغ حديثه من محتواه ومعانيه، وعاد البندر إلى ”بندره” بخفي حنين وهو يجر أذيال الخيبة وهو لا يلوي على شيئ ولا يملك إلا ذلك السلاح القديم وأخذ يلوح بالمال للنظام المصري ويتلاعب بمرتزقته من اللبنانيين ويهدد بعدم تشكيل الحكومة اللبنانية بعدما ارتهن جماعة الرابع عشر من آذار بما أتخم به جيوبهم وكروشهم من مال الغاز والنفط فباتوا واقعين تحت تأثير سحره وإغراءاته التي لم يتمكن من جذب بوتين لها واستمروا في العمل على تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية برغبة أمريكية قبل أن تكون خليجية، ومما يذكر أن الإجتماعات مع بوتين كانت في غاية السرية إلا أنها ما لبثت أن خرجت عن سريتها فور انتهاء الجلسات وتم تسريب مادار بها بالكامل وعلى الوجه الذي ذكرناه فكانت معادلات بندر فاشلة بكاملها أما عنترياته فقد احتفظ بها لأمكنة أخرى في الشرق ولا تتجاوز المنطقة، وللروس إستراتيجية مبنية على أسس تاريخية وحسابات فلكية ومعطيات ميدانية لا يمكن لإغراءات من النوع الذي ذكرناه أن تحرف بوصلتها، وإذا كانت العلاقات في عصرنا هذا تبنى على أساس المصالح وتبادل النفع فهناك أيضا أخلاقيات وثقافات فالروس ل ايبدلون إيران بالسعودية ذلك أن ما تملكه السعودية تملكه إيران فضلا عن الجيرة، أما سوريا فإن الديمقراطية الموعودة بها فهي لا تخرج عن كونها أوهاما لا يمكن تصديقها، وبالنسبة لتركيا فالأمر واضح وليس بإمكان بندر أن يكون عرابا لعلاقات هي قائمة بالفعل وبقي أن نقول بأن ما قاله بندر بخصوص أمريكا فإن روسيا تعرف كيف تتعامل مع أمريكا وتعرف كيف تدير صراعها معها في الوقت الذي تدرك فيه أن علاقة السعودية بأمريكا هي علاقة الذيل مع الجسم فهي ذيلية في مجملها بحيث يملي الأمريكيون على القوم كل ما يريدون ولا رأي لمن لا يطاع في العلاقات الدولية والسياسية، إذن ماذا بقي على الخليجيين أن يفعلوه بسوريا وقد كلفتهم أمريكا بإدارة الملف ماليا فإذا بهم يتوهمون بأن الأمر يتجاوز المال إلى المشورة ؟