تعد البخور عادة وتقليدا من التقاليد المتأصلة في منطقة ورقلة؛ فهي المرافق الدائم لكل الأفراح والحاضر بلا منازع في جل المناسبات، التي لا تحلو من دون استنشاق رائحته الطيبة، وهي تتصاعد في الأجواء وكأنها تريد أن تنبئ بدورها عن مكان الأفراح والمناسبات، التي تجمع الشمل وسط أجواء بهيجة تفوح بعبق البخور.. فعندما نستنشق رائحة البخور الزكية تتصاعد من الجزء السفلي المتوهج للإناء المستعمل خصيصا لهذا الغرض، وهي تتسلل مداعبة أنوفنا ومحركة بتلك الشظايا العطرة حاسة الشم يكون لها وقع السحر في الأنفس. ويحافظ المجتمع الورقلي بالأخص على عادة البخور كجزء من تراثه المتأصل والمتوارث عن الأسلاف، والذين يستخدمونه كوسيلة لطرد الشياطين وتطهير وتعطير زوايا وأركان البيت من أجل الترحيب بالأهل والضيوف. وهم في هذا لديهم طريقة خاصة في تحضير البخور ومزج مكوناتها والتي تقوم على اختيار وانتقاء أجود المكونات بكل عناية على غرار المادة الأساسية، التي تدعى السرغين والجاوي وعنبر قمرية والسمبلية والمسك والمسكة والزعفران الطبيعي وعصير التمر وأنواع عديدة من الروائح مثل الجاوي. وقد جرت العادة أن يحضر البخور المميز للأفراح والمناسبات السعيدة على غرار عقد القران والختان والأعياد الدينية من طرف ثلة من النساء اللواتي اتخذن من هذه العادة حرفة، أبدعت فيها أناملهن ويتراوح عددهن في الغالب ما بين 4 إلى 6 نساء؛ حيث يجتمعن في أجواء حميمية في المناسبات السعيدة؛ ففي الأعراس وبعد انتقاء أجود المكونات وطحنها ودقها وتصفيتها، يأتي موعد ”دقان الريحة” في اليوم الثاني من العرس؛ حيث تجتمع النسوة في مكان خاص ويضعن تلك المكونات في قصعة من الخشب ليشرعن في عملية فتل البخور مع تناول ثلاث حبات تمر من طرف كل واحدة منهن كفأل خير يضفي رائحة عطرة على البخور. ولأن عملية فتل البخور تتم في أجواء بهيجة وحميمية تردد النسوة وهن يضعن المكونات الواحدة تلو الأخرى وترش بالروائح والماء المختلط بالزعفران أدعية ومدائح دينية على غرار”لالة مكة وعليك نزور ونزور سيدي رسول الله” لمباركة العرس وأهله. وبعد الانتهاء من عملية الفتل يصفى المزيج ويوضع في أطباق من السعف وتبقى مادة رقيقة أثناء تصفية البخور يحضر منها ما يسمى ”المعجون” الذي يمزج مع البخور أثناء حرقه. ثم يتم توزيع جزء من البخور المفتول على المدعوين يوم العرس وتحتفظ العروس بحوالي 20 كلغ منه في بيتها داخل علب مغلقة لمدة طويلة قد تصل 12 سنة.. ولأن البخور من العادات المتأصلة التي تطيب بها الجلسات ويحلو بها السمر، تحرص العائلات بورقلة على تحضير ما يعرف ب”البخارة” المصنوعة من الطين التي لا يخلو منها بيت بالمنطقة؛ حيث يشعل الفحم وترمى قطع البخور التي سرعان ما يتوهج فتيلها وتتطاير شظاياها العطرة ليفوح عبقها فيعطر الأجواء ويبعث الطمأنينة والسكينة في الأنفس...