ولاية الشلف تحطم الأرقام القياسية في عمالة الأطفال ب19 ألف طفل أجبرتهم الظروف على التوقف عن اللعب فتخلوا عن طفولتهم سعياً وراء لقمة العيش، مارسوا أعمال الكبار بشروط السوق فتعرضوا للعنف والقمع حتى أصبحوا بحق أطفال شقاء وحرمان.. فلم يعرفوا شيئاً عن طفولتهم المدللة، وتحت ظروف أسرية صعبة تركوا المدارس.. انطلقوا نحو ورشات الرخام، المحاجر، وإصلاح السيارات.. إنها عمالة الاطفال، الذي يحذر منها حقوقيون ومن تنامي هذه الظاهرة التي تعرف تزايدا مستمرا، بعد أن وجد الأطفال أنفسهم رغم صغر سنهم، وجها لوجه في مجابهة صعوبات الحياة، ورحلة البحث الطويلة عن لقمة العيش، إذ تبين الاحصائيات أن ما يزيد عن 19 الف تلميذ وطفل يشتغلون في الصيف في ولاية الشلف وحدها، والتي حملت المدرسة الجزائرية المسؤولية بسبب كثرة البرامج والمناهج التعليمية التي شجعت على التسرب المدرسي. سلطت الرباطة الوطنية لحقوق الإنسان وعبر مكتبها الولائي بولاية الشلف الاضواء على عمالة الاطفال بالجزائر، والذي قالت في تقرير لها تحصلت ”الفجر” عن نسخة منه، أنه من أجل إعالة عائلاتهم المعوزة والحصول على ‘'مصروف الجيب'' وتحصيل مصاريف شراء ملابس العيد والدخول المدرسي، في ظلّ عدم قدرة أرباب العائلات على توفيرها لأبنائهم، يلجأ العديد من الأطفال للعمالة ولاحتراف مهنة التجارة وبيع مختلف المنتوجات الرائجة في فصل الصيف، حسب شهادات أطفال أدلوا بها للمكتب الولائي لرابطة الجزائرية لدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف. والحديث عن الأوضاع الاجتماعية التي يعيشها أطفال الشلف قاد الرابطة إلى تسليط الضوء على تفشي ظاهرة تشغيل الأطفال بشكل لافت للانتباه. وإذا كانت الأسباب الرئيسة التي تدفع هؤلاء الأطفال إلى عالم يفترض أن يكون للكبار فقط تكمن في الوضعية المزرية لكثير من العائلات وانتشار البطالة في صفوف عدد كبير من أرباب الأسر، وإمكانية إيجاد بدائل ليضمنوا بها قوتهم اليومي. وقد تصل أحيانا إلى حد إرسال فلذات أكبادهم للعمل خارج أوقات الدراسة والتخلي عنها. وتشير آخر الإحصائيات الخاصة بتشغيل الأطفال من دون بلوغ السن القانوني، إلى وجود 14 ألف طفل وفي فصل الصيف ترفع الى غاية 19 ألف طفل الغالبية منهم لا تتعدى أعمارهم عتبة السابعة عشر سنة. الحديث عن وضع الطفولة يقود حتما إلى الحديث عن باقي المشاكل المرتبطة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية، وعن تقصير لم يأخذ بعين الاعتبار هذه الشريحة الهامة. الظروف القاسية وراء عمل الأطفال يرى المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف، الأسباب والدوافع الحقيقية لعمل الأطفال في ولاية الشلف، من بينها الظروف التي يعيشها الطفل في محيطه سواء كانت مادية أو اجتماعية أو ثقافية وحتى سياسية، لها علاقة مباشرة بمدى استغلال الطفل في سن مبكرة، أي بمعنى أنه كلما ساءت ظروفه سهل استغلاله. وعلاوة على الأسباب السالفة الذكر هناك انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع معدل الفقر والمشاكل الزوجية وتدني المستوى التعليمي للأبوين وعدم الاقتناع بعض الآباء غير المتعلمين بجدوى تعليم أبنائهم، بسبب وجود البطالة للجامعيين، ما يسود اعتقاد لبعض عن جدوى التعليم، وفي ظل ضعف التحصيل الدراسي و كثرة البرامج و المناهج التعليمية علاوة على سوء معاملة يلقاها بعض التلاميذ في المدارس. أضف إلى ذلك الرسوب المدرسي وضعف الجانب التحفيزي في المدارس، زاد من حدتها نقص المواصلات، خاصة بالنسبة للبنات، وإجبار البنات على ترك مقاعد الدراسة و خاصة في الأرياف. ويضاف إلى كل ذلك تفضيل الأرباب العمل على اليد الرخيصة، وعدم متابعة ومراقبة تنفيذ الالتزامات التي فرضتها الاتفاقيات الدولية والقانون الجزائري. وحذر المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف في تقرير له من هذه الظاهرة، حيث ثبت أن أغلب هؤلاء الأطفال يتعرضون لمعاملة سيئة ومعظمهم يقبلون على إدمان المخدرات بكل أشكالها حيث أطفال يستنشقون الغراء.. يبيعون السجائر.. يستهلكون المخدرات، أقراص، سرقة واعتداءات.. ليجد الطفل نفسه مع بزوغ فجر الرجولة مجرما”، على حد قول رئيس المكتب الولائي، هواري قدور. وقال هواري إن هذه ظواهر تفشت وما خفي كان أعظم عن ظواهر قد تتعدى حدود المعقول، ظواهر تعيشها شريحة هامة من أطفال بالشلف، غير تلك الشريحة التي تذهب للمدارس والثانويات، الطفولة الكادحة غير تلك التي نشاهدها في التلفزيون أو نسمع عنها على أمواج الراديو الشلف..”غير تلك الطفولة التي يتم عرضها أمام المسؤولين في المناسبات وخلال زياراتهم الميدانية، فمن يبالي بهؤلاء؟”. بيع الأكياس في الأسواق تعد هذه التجارة حكرا على الأطفال في أسواق ولاية الشلف، إذ تشد انتباهك كثرة الأطفال تحت درجة حرارة عالية يتحمّلونها من أجل بيع الأكياس في الأسواق وانتشارهم أكثر من الباعة نفسهم لكسب دخل قليل جدا. وفي حديثنا مع أحد الأطفال من بلدية الشلف حي السلام يدعى ”سفيان”، والذي أكد أنه انتظر انتهاء موسم الدراسة بشوق كبير ليزاول مهنته التي اعتاد عليها من الصغر هو وأخوه ثلاثة الذي يبيع الأكياس ذات الحجم الكبير في الشق الآخر من السوق. وفي إجابته على سؤالنا حول عمل والده أكد لنا الطفل بأن والده ”عامل النظافة”، وهو من يسمح لنا بالعمل حتى لا ننجر وراء الانحراف، وأكد أن كل ما يجنونه يذهب للوالد ولا يأخذون منه إلا القليل. العبث في ”مزبلة مكناسة” لتجميع البلاستيك والنحاس وحسب التقرير، يعد جمع البلاستيك والنحاس من بين الظواهر المنتشرة بكثرة في ولاية الشلف، إذ في كل حي تجد أكثر من طفل يجمع البلاستيك والنحاس من قبل السكان وإعادة بيعها إلى أصحاب جمع الخردوات النحاس ،البلاستيك ، الحديد.. الخ مقابل دنانير، حيث روى لنا أحد الأطفال ببلدية أم الدروع، أنه يجمع النحاس وما شابه ذلك مقابل أجر زهيد. وأضا:”أنه يمارس العمل منذ تركه لمقاعد الدراسة عام 2012 بمستوى الثالثة متوسط، وينتقل من مكان إلى آخر ومن بلدية إلى أخرى رفقة أصدقائه لتجميع أكبر عدد من الفضلات النحاسية والبلاستيك القديم، كما أكد أن هناك مفرغة للفضلات يذهبون إليها كل مساء لاستخراج ما يمكن استخراجه منها ليعيدوا بيعه للخواص. ويستغل بعض الفلاحين قلة اليد العاملة وعزوف الشباب عن العمل الفلاحي، الأمر الذي دفعهم للاستنجاد بالأطفال واستغلال تلاميذ مختلف الأطوار التعليمية خلال شهر رمضان، خاصة أبناء العائلات المعوزة لجني محصولهم بأقل التكاليف وتشغليهم لجني محصول البطاطا والطماطم وبعض الفواكه والخضر الموسمية. ولم يخف بعض سكان المناطق الفلاحية تحول التلاميذ والتلميذات المدارس خلال عطل نهاية الأسبوع وطيلة أيام فصل الحرارة إلى عاملات ناشطات بالمزارع الفلاحية عوض أخذ قسط من الراحة والاستجمام ومراجعة دروسهم. فيما يوجد أطفال آخرون يمنعهم أولياؤهم من الالتحاق بالعمل في الحقول أو لم يسعفهم الحض، لذلك فيفضلون الحصول بطرق أخرى وذلك ما لمسه التقرير عبر الطريق السيار شرق - غرب أو الطريق الوطني، حيث يشد انتباه أي مسافر انتشار العشرات من الأطفال موزعين على حواف الرصيف، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 سنة، تحت أشعة شمس تتخطى عتبة 43 درجة مئوية، حاملين ل”المطلوع”، وسمة البؤس مرسومة على وجوههم، يتوسلون أصحاب السيارات لشراء خبزهم، وآخرون يعرضون الهندي أو التين ولبن الأبقار والماعز، فيما يفضل بعضهم بيع الأكياس البلاستيكية بأسواق الخضر والفواكه، كما يشد انتباهك أطفال ”حمالة” يدفعون عربات اكبر من قوتهم أو يتسابقون لملئ أو تفريغ السيارات من حمولتها للبطيخ أو البطاطا. صبرينة:”أمي تحضّر لي 60 مطلوعة يوميا لأبيعها” ”أتحدى كل الصعاب من أجل إعانة عائلاتنا المعوزة”، هذا ما تفوهت به صبرينة البالغة من العمر 14 سنة، مضيفة أنها تعمل ”حتى أتمكن من مساعدة أمي، لأن أبي متوفي وليس لدينا من يعيلنا، فأمي تقوم بتحضير ”المطلوع” في ساعة مبكرة وتستمر حتى الثالثة زوالا، وأبدا في بيعه لأصحاب المركبات على قارعة الطريق فيما يتوسط أخوها 12 سنة وسط الشوارع والنقاط الزحمة أو أبواب المساجد والأماكن العمومية”، وتضيف أن هناك من يرفض الشراء ويغلق نوافذ سيارته، وهناك من يشتري ويضيف لي أحيانا بعض النقود لأعود إلى البيت قبل حلول الظلام، بعد نفاد المطلوع. أمير:”همّ أبي جمع المال ودوري الاستجابة لمطلبه” أمير، أشعل مؤخرا شمعته ال 14، يشتكي استغلاله من قبل أبيه لاستعطاف المارة ببراءتهم وصغر سنهم، حيث يتنقل والده بين المقاهي ويتسكع في الشوارع ويجبر ابنه أمير على بيع المطلوع وإلا سيتلقى عقابه، فيسعى لكسب رضاه بجمع اكبر عدد من النقود ويتمكن من شراء حاجياته المدرسية خلال الدخول المدرسي. ونفس المشهد يتكرر على امتداد الشواطئ أين تشاهد أطفالا وكأنهم مشردون، منشغلين بسلالهم التي وضعت فيها الفطائر، وهم يصيحون بأصوات عالية عارضين بضاعتهم على المصطافين في مختلف الأوقات. خالد:”أعمل في الصيف لأتمكن من شراء الأدوات المدرسية خالد، يعمل بمحض إرادته فيخرج في الصباح الباكر لجني الهندي أو التين الشوكي المترامي على أطراف الأودية والجبال، ثم يقوم بعرضه على قارعة الطريق الوطني رقم 04 ليبيعه ويشتري بأثمانه الملابس والأدوات المدرسية، لأنه ينحدر من عائلة فقيرة وتعجز عن التكفل بجميع مطالبه. كما يفضل بعض المال حسبه لتسيير شؤون عقب الدخول المدرسي ومساعدة إخوته. ضربات الشمس والجفاف والضعف تهدد الأطفال في السياق، حذر التقرير من نتائج تشغيل الأطفال من الإيذاء النفسي والبدني، وإصابة معظم الأطفال بأمراض نفسية، وحرمانهم من الإحساس بطعم الطفولة، فيظل حرمان الطفل من فرصة التعليم المناسب التي قد تخلق له فرصة عمل أفضل في المستقبل. كما حذر من إصابة الأطفال بأنواع من الأمراض الجلدية بسبب التنقل في الأماكن ملوثة (أكوام النفايات) وتعرض الكثير من الأطفال لضربات شمس جراء عملهم لفترات طويلة خارج البيت، خاصة من يعملون في الميدان الزراعي، علاوة على ذلك فغالبية الاطفال يعانون من الضعف الشديد والجفاف بسبب سوء التغذية والسير لمسافات طويلة، ناهيك عن الانحلال الاخلاقي وتعرضهم للاعتداء والعنف.. الخ، واستعدادهم أكثر من غيرهم لارتكاب جرائم بحق المجتمع بسبب الشعور بالدونية وعدم المساواة. تطبيق الاتفاقيات الدولية كفيل بالحد من الظاهرة لمعالجة هذه الظاهرة يرى المكتب الولائي لرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان لولاية الشلف، أن الاتفاقيات الدولية والقوانين الجزائرية واضحة وتؤكد حقوق الطفل وهي بحاجة إلى تطبيق، وتطبيقها يحتاج الى تعاون ومشاركة جهات متعددة تبدأ من الأسرة والمجتمع مروراً بالجهات التربوية والجمعيات حماية الطفولة وصولا إلى الجهات الرسمية، ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية وكذلك وزارة العمل من أجل طفولة سعيدة وآمنة. أما بالنسبة للحلول والمعالجات التي تحد من هذه الظاهرة فإن على الجهات المعنية توفير مناخ مناسب لنمو الطفل، وتبني سياسات وآليات لمكافحة الفقر؛ من خلال إرساء دعائم الحكم السليم الذي يقوم على الشفافية. ويجب على النظام السياسي الذي هو قائد المجتمع، أن يقوم برعاية الأسرة وتوفير الدعم لها حتى تتمكن من تربية أطفالها على النحو السليم. كما أن المجتمع يتحمل جزءا من المسؤولية تجاه هذه الظاهرة، حيث أن المجتمع المسلم، كما يقول ”مجتمع تضامن وتكافل، يقوم على المودة والرحمة خصوصا فيما يتعلق برعاية الأطفال اليتامى الذي يمارسون العمل”.