بدأ العد التنازلي للشهر الكريم الذي يشرف على الانتهاء لاستقبال ضيف ثانٍ هو الآخر يأتينا مرة واحدة في السنة، ونظرا للأحوال المعيشية الصعبة التي تعيشها بعض الأسر الجزائرية من محدودي الدخل، فقد شاءت الأقدار أن تتحكم في مصير بعض الأطفال وتدفع بهم الحاجة إلى الابتعاد عن عالم الطفولة واتباع طريق الكبار من خلال العمل في سن مبكرة، حيث تعرف عمالة الأطفال انتشارا واسعا في الجزائر وباقي ولايات الوطن إذ كان يتوقع أن يتوقف نشاطهم خلال الشهر الكريم إلا أن العكس هو الصحيح. فمن خلال ما أصبحنا نعيشه ونشاهده في حياتنا اليومية من مظاهر باتت تنبئ بالخطر، حيث لم يعد يمر يوم إلا ويصادفك أطفال صغار لم يعرفوا من الحياة إلا مرارتها وقسوتها تراهم ينتشرون بالأسواق والطرقات والمحطات حاملين معهم مواد استهلاكية يحتاج إليها المواطن خلال الشهر الكريم سواء قبل الإفطار أو حتى بعده، من أجل كسب لقمة العيش لهم ولأفراد عائلتهم كل واحد والظروف القهرية التي دفعت به إلى فعل ذلك، حيث فضلوا العمل تحت درجات الحرارة العالية وتحمل مشقة الصيام على أن يلجأوا إلى التسول مثلما فعل البعض منهم خاصة ونحن في الأيام الأخيرة وحتى يتمكنوا من شراء ملابس العيد ويفرحوا مثلهم مثل باقي الأطفال في سنهم بتحملهم للمسؤولية في سن مبكرة. في هذا الشأن اقتربنا من بعض المواطنين لمعرفة آرائهم فيما يخص هذه الظاهرة التي تنتشر بصفة كبيرة طيلة أيام السنة لاسيما في الشهر الفضيل، حيث لم يشفع لهم الشهر الكريم بالتمتع والاسترخاء بل على العكس تضاعف نشاطهم بالنهار والسهرات الليلية التي تستمر إلى أوقات متأخرة تمتد في أغلب الأوقات إلى وقت السحور، ومن بين هؤلاء نجد (عادل) الذي يبلغ من العمر 15 سنة صادفناه بسوق علي ملاح بالجزائر وهو منهمك بعمله وكأنه رجل في الثلاثينات وملامح الرضا بادية على وجهه، اقتربنا منه للتعرف على الظروف الخفية وراء انتهاجه لهذا العمل فأجابنا بكل صراحة من خلال قوله: (أنا الأكبر في العائلة أساعد أمي في بيع أوراق الديول وكذا خبز المطلوع لأن والدي معاق ويعاني من مشاكل صحية مما جعلني أتحمل جزءا من المسؤولية بالرغم من صغر سني لجمع بعض المال للعيش وادخار البعض الآخر للموسم الدراسي الذي يفصلنا عنه ما يقارب الشهر). في الشأن ذاته أفادنا (عبد الصمد) هذا الأخير الذي يبلغ من العمر 17 سنة والذي كان رفقة أحد الباعة يساعده في ترتيب سلعته ويقتات لنفسه برأيه في الموضوع من خلال قوله: (لقد مررنا بظروف قاهرة عند وفاة والدي ولم نجد أحدا يساندنا لذا عزمت أن أتحمل جزءا من المسؤولية، كما أنني أحب الاتكال على النفس لكسب بعض الخبرة والمال في الوقت نفسه فالتعامل مع الناس يكسب أشياء تجهلها وأنت بعيد عنهم خاصة ونحن في الشهر الكريم، حيث يمضي بعض الناس يومهم بين النوم والتسكع وتضييع الوقت فيما لا ينفع). من جهة أخرى هناك من استنكر عمل البراءة في سن مبكرة ومنهم نجد السيد (عبد الرؤوف) الذي يعمل كمدرس رياضيات فيرى أن الظروف المعيشية التي تحياها العائلات سبب في انتشار هذه الظاهرة من خلال قوله: (أتأسف لمثل هذه الظواهر التي تنتشر في مجتمعنا الجزائري وخاصة هذه التي تتعلق بالأطفال، حيث يضطرون إلى العمل في سن مبكرة طيلة سنة كاملة خاصة وأن الشهر الكريم تزامن في السنوات الأخيرة وفصل الصيف أي العطلة المدرسية، حيث يلجأ هؤلاء الأطفال إلى امتهان هذه الأعمال منذ نعومة أظفارهم لمساعدة عائلاتهم في سد حاجيات المنزل وشراء ملابس العيد والدخول المدرسي، فمن حملهم لقفف المطلوع إلى أوراق الديول وطاولات الحشيش، التي يضاف إليها تجولهم بالشوارع قرب الأسواق والمحلات يرغمون المار بجانبهم لشراء الأكياس البلاستيكية). هي آراء وأفكار كونت قناعات لدى الأفراد تختلف من شخص لآخر وخاصة منهم الأطفال الذي اعتبروا الشهر الفضيل شهرا للربح وتجميع بعض الأموال لاستقبال السنة الدراسية القادمة بملابس وأدوات جديدة تتلاءم والمكان المتواجدين فيه خاصة وأن عيد الفطر سيكون على الأبواب خلال أيام قليلة.