لو كانت الحياة فيلما سينمائيا، ونظر أوباما إلى المرآة لرأى جورج بوش الابن. سوف يمسح المرآة ويظل بوش في المرآة وارتسمت على وجهه تلك الابتسامة المتكلفة. سيدرك أوباما أنه هو الواقف أمام المرآة، أشبه بسلفه، يجتاز الصحراء العربية بحثا عن أسلحة الدمار الشامل. ووحده التاريخ هو الذي سيقرر ما إذا كان هذا الفيلم كوميدياً أم مأساوياً. إن الأزمة السورية تحمل الكثير من ملامح العراق، فأسلحة الأسد الكيماوية كثيرة التنقل، كما كنا نعتقد من قبل بشأن أسلحة صدام حسين، ويقول الجنرال سالم إدريس لمراسلة قناة ”سي إن إن” كريستيان أمانبور: ”اليوم لدينا معلومات أن النظام (السوري) بدأ في نقل المواد والأسلحة الكيماوية إلى لبنان والعراق”، ثم أضاف مؤخرا: ”إن النظام يتصرف مثل صدام حسين”. بشكل دقيق، والآن أجبر أوباما على التصرف مثل بوش، وسواء نقل الأسد أسلحة الدمار الشامل إلى العراق، من بين كل الأماكن الأخرى، فإن ذلك ليس مؤكدا على الإطلاق، فالعراق ينكر ذلك. والأكثر يقينا، برغم ذلك، هو أن أسلحة الدمار الشامل يجري نقلها داخل سوريا. وقد استشهدت صحيفة ”وول ستريت جورنال” بالعديد من المصادر السيادية التي أوردت أن الأسلحة الكيماوية جرى توزيعها على 50 موقعا على الأقل، وأن هذه المهمة قامت بها الوحدة 450 التي تمثل قوة النخبة ولديها ولاء قوي للنظام، وتتألف من مواطنين علويين موالين للأسد. ويمكن تعقب هذه الوحدة عبر القمر الصناعي وربما إصابتها بالصواريخ. لكن ذلك ربما يعني فقدان السيطرة والتعتيم على ما تبقى. فهل سيتمكن الجهاديون من السيطرة على غاز السارين؟ ينبغي على أوباما أن يطرق على الحديد. فهو رئيس خاض حملته ضد الحرب في العراق ويدعي منذ ذلك الحين أنه هو من أنهى الحرب، لا من بدأها. وهو مخالف تماما لكل ما يمت لحقبة بوش. فهو شخص حذر ويدرس الأمور بعناية ولم يقل قط إنه سمع الله يملي عليه ما يجب عليه فعله. لكن برغم ذلك فقد أوباما السيطرة على سياسته الخارجية - إذا كانت لديه سياسة خارجية بالأساس - فهو مضطر لانتظار الأسد كي يجري الاتفاق مع الروس، ويجب عليه الاستمرار في التهديد باستخدام القوة، لكن الشعب الأميركي والكونغرس والأهم من ذلك الروس لن يقبلوا بذلك. وهنا يطل بوش من جديد - لا تصدقوه في النهاية - والنهاية ربما تكون بعد عدة أشهر، إذ ربما يسلم السوريون مخزونهم من الأسلحة الكيماوية، لكن الأسد سيكون بذلك قد أفلت من العقاب على عملية قتل نحو 1،400 مدني بالغاز من بينهم 400 طفل، وهذا كثير بالنسبة للخط الأحمر. ما يثير الأسى هو لو أن أوباما استخدم القوة منذ البداية لما تجرأ الأسد على استخدام الغاز ضد شعبه. فالقتلى والمصابون هم ضحايا ضعف الولاياتالمتحدة وتذبذبها ووحشية الأسد؛ فضعف الولاياتالمتحدة جعل وحشية الأسد ممكنة. لقد كان أوباما حريصا على ألا يتحول إلى بوش الثاني، وقلقا من الخوض في مستنقع حرب أخرى، لكن ذلك جعله يفقد السيطرة على الموقف، لأن الإدارة الأميركية الراهنة تتعامل مع الموقف من دون تقدير. لن يكون من الصعب هنا تحديد الفائز والخاسر. الواضح أن روسيا هي الفائز، فهي راعية الاتفاق والضامن وعضو مجلس الأمن الذي يملك حق الفيتو. وسوف تفوز إسرائيل على المدى القريب إذا تخلت سوريا عن أسلحة الدمار الشامل الخاصة بها. بيد أن المدى البعيد قصة أخرى، فإسرائيل منشغلة بإيران وجهودها المفترضة لصنع سلاح نووي. إذا حدث ذلك فسيكون ذلك خطا أحمر آخر لأوباما وربما فرصة أخرى للتردد. لكن الشعب السوري هو الخاسر الأكيد، فقد توصلت الولاياتالمتحدةوروسيا ونظام الأسد إلى اتفاق. وصحيح أن أسلحة الدمار الشامل ستنتهي لكن عمليات القتل ستتواصل بالوسائل الأخرى. وكما هو الحال بالنسبة للجميع فنحن جميعا خاسرون، وبسبب لامبالاة أوباما أصبح العالم مكانا أقل أمنا، فقد أثبت الشرطي أنه متردد وأنه غير متمرس في السياسة الخارجية. لقد تحايل عليه المحتالون والقتلة وأصبح أقل مما بدا عليه من قبل. أوباما الذي سيجبر على التصرف كبوش ليس أمرا مثيرا للسخرية، لكنه ليس مزحة، فكلاهما دخل في مأزق عبر الانصياع لسياسات خاطئة، فقد وضع بوش خطا أحمر لأسلحة دمار شامل لم تكن موجودة بالأساس، في الوقت الذي لم يكن لدى أوباما خط أحمر لأسلحة موجودة بالفعل.