لا يمكن التفكير في أن هناك أي فكر أو هدف سياسي منطقي لموجة الهجمات المسلحة التي تشن في بعض الأحيان بشكل يومي، في سيناء ومدن مصرية أخرى بعضها ينجح والبعض الآخر يفشل، إلا أنها مجرد أداة في عملية محاولة استنزاف الدولة المصرية في مرحلتها الانتقالية الحالية سياسيا وأمنيا واقتصاديا. الإرهاب ليس جديدا على مصر أو المنطقة أو حتى العالم؛ فقد تعرضت مصر إلى موجة إرهاب في مدنها خاصة بعد اغتيال الرئيس الراحل السادات خلال عقد الثمانينات وجزء من التسعينات، وكان ضحاياها بالمئات أجانب ومصريين. وتضررت مواسم سياحية كثيرة بفعل هذه الهجمات خاصة بعد مذبحة الأقصر، وكانت مدن ومناطق في جنوب مصر مسرحا لأعمال عنف ومواجهات مسلحة مع الشرطة. وانحسرت موجة الإرهاب وتلتها مراجعات فكرية قدمت فيها بعض التنظيمات المتطرفة ما يشبه الاعتذارات وأعلنت تخليها عن العنف، بينما رحل من رحل إلى أفغانستان، ومناطق أخرى بعيدة يمارس فيها الإرهاب. في التسعينيات كان الإرهاب ونجومه من أصحاب الفكر المتطرف مشغولين بحربهم الكونية التي أعطت صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين في أرجاء المعمورة، بأعمال التفجيرات والهجمات الانتحارية ضد مدنيين ومرافق ومحاولات إسقاط طائرات.. إلى آخره، وفي الوسط كانت بعض الدول العربية تخوض حربها ضد الأذرع المحلية لهذا الإرهاب بعد أن أصبح مؤسسة دولية لنشر الخراب والدمار، تحت شعارات وأفكار لا تقنع إلا السذج وأصحاب العقول المريضة. مع بداية موجة التغييرات التي أطاحت الأنظمة في عدة دول عربية في عام 2011، والاضطرابات التي أعقبتها، وهي ظاهرة طبيعية تصاحب أي حركات مجتمعية كبرى، أطلت تنظيمات الإرهاب من جديد مستغلة بعض مساحات الفراغ الأمني الذي حدث، وجرت عملية إعادة توطين جديدة جعلت منطقة الشرق الأوسط حاليا واحدة من أخطر بؤر الإرهاب. ويكفي النظر إلى الخريطة، من شمال إفريقيا، إلى اليمن والعراق، واستغلال بعض التنظيمات المتطرفة الحرب الأهلية في سوريا مرورا بسيناء في مصر لندرك حجم التمدد الذي حصل خلال فترة زمنية وجيزة في نشاط تنظيمات الخراب والتكفير. هناك فارق بين موجة إرهاب الثمانينات والتسعينات، والموجة الحالية رغم التواصل الفكري بينهما، فالتنظيمات ورموزها التي أعادت التوطن واستغلت حالة الفراغ الأمني، والصراعات الاجتماعية، جاءت هذه المرة مسلحة بخبرات وأساليب تفجيرات وتفخيخ اكتسبتها في مناطق أخرى، وكذلك بشبكة علاقات دولية مع التنظيمات المشابهة لها تتبادل فيها الخبرات، وفي بعض الأحيان يشمل التعاون الأفراد مثلما يقال عن وجود عناصر أجنبية مع الجماعات المتطرفة في سيناء. الجديد أيضا أنه كما يبدو فإن بعض القوى السياسية من تيار الإسلام السياسي لا تجد غضاضة في أن تستفيد من نشاط هذه الجماعات في إضعاف خصمها الذي تحاول إضعافه والسيطرة عليه، وهو جهاز الدولة، وقد كان أحد أسباب سقوط الإخوان في مصر هو استعانتهم أو تحالفهم مع مجموعات من ”الجماعة الإسلامية” التي تورطت في أحداث الإرهاب في التسعينات. في الحالة المصرية من الصعب تصور أن هذه الهجمات الإرهابية هنا أو هناك ستحقق شيئا باستثناء إرهاق الدولة التي تحاول إعادة الحياة إلى طبيعتها، كما يصعب تصور أن تلقى أي تعاطف شعبي معها في ضوء النفور المجتمعي من مثل هذه الأعمال التي يتضرر منها الناس العاديون في حياتهم وأرزاقهم، وإن كان التحدي هذه المرة أصعب من التسعينات في ضوء الحالة الإقليمية التي جعلت الحدود أقل أمنا مع التدهور الأمني في دول مجاورة، وسهولة انتقال السلاح والمسلحين بين الحدود، والشبكة الدولية التي ترتبط بها هذه الجماعات. قد يستغرق الأمر وقتا لمواجهة موجة الإرهاب الجديدة التي تطل برأسها، لكن يمكن المراهنة على أنها المعركة الأخيرة لدحر هذا الفكر الذي استطاع التلون، والانتشار جغرافياً في جماعات صغيرة على امتداد العالم في العقود الثلاثة الماضية، فالمعركة هذه المرة ليست فقط بين دول وأجهزتها وجماعات تخريب لكنها أصبحت أيضا معركة بين الإرهاب والمجتمع نفسه، فإذا كانت الناس قامت بانتفاضات أو ثورات من أجل تغيير سياسي فإنها لم تقم بذلك ليأتي أصحاب فكر التفخيخ والتكفير ليتسيدوا المشهد بعد أن كانوا في حالة تراجع واختباء في أفغانستان أو الشريط الحدودي في باكستان.