سلّط المخرج جمال قرمي الضوء على حالة المثقف العربي الذي يعيش تيهانا كبيرا، في خضم الأحداث السياسية والاجتماعية المتدهورة في الوطن العربي، وذلك في مسرحية ”القصائد التي احترقت”، لكاتبها جمال السعداوي والتي قُدّم عرضها الشرفي الأول أول أمس، على ركح بشطارزي بالعاصمة. بين ردّ الاعتبار للمثقف العربي، وتشريحه هوانه وتبعيته للسلطة، نسجت قصة مسرحية ”القصائد التي احترقت”، خيوط الحيرة للمثقف الجزائري والعربي على السواء، بعد أن يجد نفسه في كل مرة في مواجهة ضميره أو مواجهة أصحاب النفوذ في السلطة الذين أجبروه على التخلي عن مبادئه. لكن هناك من يرفض وهناك من يقبل بالعرض وإذا قبل فيكون قد تخلى عن مهمته المنوطة به في الدفاع بالنقد والكتابة عن أفراد المجتمع. حيث يروي العمل في زمن قدره ساعة من الزمن، ويجسد في قالب شاعري بالعربية الفصحى دور المثقف والمفكر العربي ومقاومته ضد أشكال الابتزاز وكذا مقاومة أبناء جلدته من مثقفين آخرين تنازلوا عن مبادئهم خدمة لأغراض بغيضة وأصبحوا يسيرون وفق ما يمليه عليهم أصحاب القرارات وذلك لبث أفكار تحدّ من التفكير العقلاني ومن حرية التعبير. المسرحية أعدّ السينوغرافيا الخاصة بها سليمان بدري وأدّاها مجموعة من الممثلين هم نادية لحماري، مليكة قطني، مهدي العيد، محمد جلولي ومحمد رفيق وسط ديكور بسيط وجد متواضع، يفتقر إلى عناصر الجمالية ليس عدم استطاعة المخرج توفير عناصرها بل رغبة منه في جعل الجمهور يصبّ اهتمامه على الفكرة والموضوع المقدم وهو تفكير وهدف الكاتب جمال السعداوي كذلك الذي سعى لأن يكشف المثقفين الحقيقيين في مجتمعاتهم الذين ينزلون إلى الميدان والاحتكاك بجمهورهم وقرائهم لمعرفة انشغالاتهم وقضاياهم، وبالتالي يكون عليهم نقلها إلى السياسيين عبر كتاباتهم ومؤلفاتهم. في السياق يحمل العرض جانبا مهما ركّز على المثقف التابع للسلطة الذي يبحث عن مصالحه الشخصية ولا يهمه المجتمع البتّة، وهو ما قاله المخرج جمال قرمي بأن المسرحية تركّز على الإنسان الإيجابي الفاعل داخل المجتمع الذي لديه روح المبادرة لتحريك العلاقات الاجتماعية وخلخلتها من أجل إعادة صياغتها في منظومة حقيقية تلتزم بضوابط لها علاقة بالقيم الإنسانية. وتابع في معرض حديثه ”بما أننا في زمن أصبح المثقف في يد السلطة الحاكمة ويخدم طبقة معينة، نجد المثقف الذي لديه قيم ومبادئ معزول ومهجور، لذا يجب إظهار هذه الحقائق عن طريق المسرح”.