التقيت بلويزة حنون سنة 1980 وأنا في سنتي الأولى بالجامعة، كانت جميلة إلى حد لا يوصف، ولا زلت أتذكر شعرها الطويل وخديها الورديين، وأكثر من ذلك ما زلت أتذكر ما كانت تقوله الطالبات عنها، عن طيبتها ونضالها البطولي، ومواقفها المناهضة للنظام... ومرت سنوات لم أر فيها لويزة، لكني قرأت مرة في الصحف أنه أطلق سراحها بعد أزيد من أربع سنوات في السجن، وجاءت أحداث أكتوبر، وجاءت التعددية وخرجت لويزة حنون إلى العلن، وصدمت وأنا أرى أنه لم يبق من لويزة التي عرفتها من سنوات سوى شعرها الطويل، وخطابها الناري واختفى خداها الورديان، وتحول بريق عينيها إلى سيل من الغضب... كنت حتى وقت قريب أعتبر الويزة الرجل الوحيد في المعارضة السياسية، وأنها الوحيدة التي تمتلك مشروعا وتدافع عن العمال، وباركت لقاءها الأخير مع قائد الأركان الذي استهجنه الزملاء، اعتقادا مني أنها ذهبت للتحذير من مخاطر قد تضر بالبلاد وهي التي تستشعر دائما الخطر قبل غيرها... لكني وبعد المظاهرات التي شاركت فيها مع مواطنين وزملاء ضد العهدة الرابعة، صدمت عندما خوّنتنا لويزة، ونعتتنا بأوصاف ليست فينا، وقالت عنا إننا ضد الديمقراطية، وأننا دسنا على أخلاقيات المهنة لما خرجنا إلى ميدان التظاهر. لويزة حنون التي ناضلت ودفعت الثمن غاليا، تحولت بقدرة قادر إلى قامع للحريات ونسيت أن الصحفيين الذين تتهمهم بما تتهمهم مواطنون، دفعوا حق مواطنتهم غاليا بتقديم قربان بلغ أزيد من 70 صحفيا ضحية الإرهاب، وقتها كانت لويزة حنون تخبئ رأسها في الرمل، وتضع الخمار على رأسها لتزور علي بلحاج في السجن، ليس إيمانا بمشروع الرجل ولا دفاعا عن حريته، وإنما لتحمي نفسها من المحشوشة والرصاص، بل وذهبت حتى إلى سانت إيجيديو بروما مطالبة بالتدخل الدولي في الشأن الجزائري والقصة معروفة ولا داعي لسرد تفاصيلها. اليوم لويزة صارت صديقة ليس للنظام بل للمافيا التي تريد أن تفرض علينا أمرا واقعا، وتريدنا أن نبايع جثة هامدة للبقاء ليس رئيسا في السلطة بل لتمرير مشروع التوريث الذي طالما حلم به الشقيق، رفيق درب نضال لويزة، التروتسكي الملياردير، مثلما هي لويزة التي يقولون عنها في الأوساط السياسية إنها التروتسكية الوحيدة المليارديرة. أعرف أن لويزة تمقت النظام ومخابراته، ولكن لن تضحك علينا وهي تضفي صبغة شرعية على المافيا السياسية، فالكل يعرف أن من جمع التوقيعات للويزة هي رئاسة الجمهورية، والكل يعرف العلاقة الوطيدة والمصالح المشتركة بينها وبين ولي العهد. أقول هذا اليوم وأنا أسترجع بعض الصور من الذاكرة. فلما دخلت السجن منذ سبع سنوات، زرت الجناح الذي كانت تقيم فيه لويزة بسجن الحراش في زنزانة منفردة تحولت اليوم إلى مكتبة، وتبركت بها لأن السيدة مرت من هنا. الصورة الأخرى التي أتذكرها اليوم هي صورة لويزة التي كانت تتظاهر ضد النظام والقمع في الشوارع، وهي ساقطة على الأرض تمسك برأسها وتمسح لا أدري دما أم تتلمس منطقة الضرب. وهي الصورة المتداولة هذه الأيام في المواقع الاجتماعية. أتذكرها وأقول هل نسيت حقا لويزة هذا الطريق الذي سلكته يوما، ومن أين وجدت كل هذه القوة وكيف انسحبت من ذاكرتها كل هذه الذكريات، لتهيننا اليوم وتشتمنا لأننا سرنا ضد رئيس مقعد فاقد للعقل والوعي، يريد محيطه سرقة بلادنا ومستقبل أولادنا؟! عيب عليك يا لويزة هذا النسيان. أتمنى ألا تكوني قبضت أنت الأخرى الثمن!؟