غاب اليسار الجزائري عن المشهد السياسي في السنوات الأخيرة بشكل غريب، اختفى تماما ولم يعد يرد له تأثير أو حتى ذكر في ظرف حرج وحساس وفي سياق عالمي عرف عودة اليسار في أوروبا وحتى في العالم العربي حيث يحاول اليساريون في مصر وتونس والمغرب الوقوف في وجه المد الأخضر. اختفى أهل اليسار ولم تبق في الساحة سوى طفلة تروتسكية تحاول حماية ما تبقى من ميراث نضال الأسلاف وما تبقى من القطاع العام وتبدو لويزة حنون وحيدة ومعزولة ومجبرة على إتيان ما لا تحب كي يسمح لها بالبقاء في ساحة سياسية تحولت إلى سوق. واللافت أن اليسار لم يفقد فقط الحزب الذي مثله من عهد السرية في تحولاته المختلفة من الحزب الشيوعي الجزائري إلى حزب الطليعة الاشتراكية إلى التحدي و الأمدياس الذي انفجر برحيل الهاشمي الشريف والانقسام الذي حدث في الحزب بين تيار يصر على الوفاء للمواقف الراديكالية وتيار يبحث عن هدنة مع النظام وحتى مع الاسلاميين، بل فقد أيضا منابره الإعلامية والثقافية وبات أضيع من الأيتام في جزائر اليوم. والسؤال المطروح هنا: هل مات اليسار الجزائري؟ قد يقع الاختلاف في تحديد أسباب الموت، هل تم بفعل فاعل أو نتيجة انتحار أم هو موت طبيعي نجم عن عدم الأخذ بأسباب الحياة؟ لكن المؤكد أن الموت أصبح واقعا في نهاية المطاف، و لن يكون الظرف التاريخي الذي اختفى فيه اليسار المبرر الوحيد للموت فهيمنة اقتصاد السوق والتحولات التي فرضتها العولمة لم تقتل اليسار الذي ظلت رموزه تقاوم "وحشية" رأس المال حتى في الزمن الذي تحول فيه اقتصاد السوق إلى عقيدة عالمية. وربما يمكن تفسير مأزق اليسار الجزائري في جذوره ومساره باعتباره كان امتدادا للحزب الشيوعي الفرنسي، كان يؤخذ عليه تأخره عن ثورة التحرير شأنه في ذلك شأن جمعية العلماء المسلمين، ما أجبره بعد ذلك على لعب الأدوار الثانوية. ودخل الشيوعيون الجزائريون الحياة السرية بعد الاستقلال، قبل أن يعقدوا صفقة مع بومدين مكنتهم من "المشاركة النقدية" التي اكتشفها إخوانهم في الله بعد ذلك وانتهى بهم الأمر إلى نفس النتيجة! وصنعت هذه المشاركة والتواجد كلوبي كامن في مفاصل الدولة والمجتمع أسطورة "الباكس" الذي يعلي من يشاء ويسقط من يشاء، حتى جاء الانفتاح والتعددية ليكتشف كوادر الباكس أنهم غرباء في المجتمع الذي استسلم للتيارات الإسلامية، ومجددا يجد الرفاق أنفسهم في نفس الخندق مع نظام ناصبوه العداء، بل أن الكثير منهم تحولوا إلى مقاومين و"شنابط" في سنوات الحرب الأهلية، فيما تحول البعض منهم إلى مقاولين و أرباب عمل مستفيدين من "الريع" الذي أفسد النضال كله. وربما تكمن مأساة اليسار الجزائري في غربته عكس اليسار العربي عموما الذي كان له الامتداد الشعبي والنخب الحقيقية الصادقة التي لا تتنازل عن مبدأ ولا تطمع في ريع ولا تشتري ولا تبيع.