المرأة الجزائرية هي كبرياء الجزائر، التي مهما حاول الاستعمار الفرنسي تقزيمها إلا أنها ستظل الشوكة القاتلة في حلقه، فلا يستطيع لها دفعا ولا يستطيع لها بلعا، والمجاهدة لويزة إغيل هي واحدة من حرائر الجزائر التي استطاعت أن تشعلها حربا ضد الجلادين وتنقل معركتها الى هناك، حيث ما تزال تفضح هؤلاء المجرمين وتجلدهم في الصحف والمحاكم وتتحول قضيتها إلى قضية مطاردة المجرمين، بمناسبة الذكرى الخمسين للاستقلال الوطني، استضافتها مؤسسة “فنون وثقافة” لتتحدث عن دور المرأة الجزائرية والثورة بكل أبعادها. يشع في قوامها المنهك الإباء والإصرار رغم استنادها الى عصا، في عينيها تحوم الصور المؤلمة فتتساقط دموعا تقيد بها من ارتكب في حق فتاة جزائرية أبشع الجرائم، بكل صراحة وكبرياء لم تخجل لويزات من سرد الحقيقة لأن الحق لا يخجل من الظلم والجور والباطل، ومهما كان الباطل بطاشا فإن الحق أقوى منه وسينتصر عليه ولو بعد حين. لويزة تأخذ نفسا عميقا وكأنها لا تصدق أن صدرها يتنفس هواء الحرية ويدفقه في شرايينها لتقول “لم نكن ننتظر أننا سنعيش لحظات الاستقلال، بل لم نكن نحلم أن نعيش هذا العمر من الاستقلال ونحتفل بخمسين سنة كاملة وأصبحنا نكرم من قبل أبنائنا وأحفادنا”. تنظر السيدة لويزة إغيل إلى سيدة بالقاعة أبيض شعرها وأصبح عبارة عن اسلاك فضية ذائبة، وتشير إليها “السيدة آني ستينر هي التي فتحت لنا المعتقلات، كانت مع الإخوة المجاهدين والمجاهدات في الولاية الرابعة”. وتضيف لويزة “كنا مع أني في السجن ولم نتبدل ولم تتبدل آني رغم المشاكل التي وقعت لها مع أبنائها وقد تقاذفتنا السجون والمعتقلات أحد عشر سجنا ومعتقلا وحكم على الأخت آني بخمس سنوات نافذة، وكانت لنا في السجن أختا حقيقية، لم يكن لدينا المال، وكانت هناك عائلات سجينة ليس هناك من يزورها ويؤتى لها بالقفف ولكن هناك عائلات تزار وعندما يؤتى لها بالقفف تقسم الأطعمة والفواكه حتى أن حبة الموز الواحدة تقسم الى 35 قطعة، كانت الروح الأخوية والمحبة هي السائدة، وهذا ما جعل السجانين وإدارة السجن يجن جنونهم لمعنوياتنا المرتفعة ولم نتركهم يهنأون أو يغمض لهم جفن”. السيدة آني هي المرأة والمجاهدة الوحيدة التي رفضت منحة المجاهدين وهي اليوم تعيش وحيدة. وتقول السيدة لويزة عن نفسها وعائلتها، أنها تنحدر من أسرة ثائرة مجاهدة فجدها مجاهد، وبينما كانت امها ترضعهم حليب النمو والحياة كان والدها يشحنها شحنات النضال ويحقنها بمصل الجهاد، فجدها كان في الجبل يصنع “الشبروطي” (البارود) ووالدها كان ثوريا وكان دائما يقول بإصرار أن فرنسا ستخرج من الجزائر “كان عمري حينها 14 سنة، كان أبي يعطيني الوثائق وعندما بلغت 16 سنة انخرطت في الثورة، الثورة التي عرفناها وتربينا على أناشيدها ونحن صغار ندرس بمدرسة مارينغو حيث كان أبي يبث فينا روح الوطنية”. بدأنا - تضيف لويزة - بإضراب الطلبة في 1956، “ثم أصبحنا ننقل الأخبار والسلاح والوثائق للمجاهدين، وكنا نمارس النضال وكأننا في احتفالات وأعراس دائمة بين فرح وضحك”. وتستطرد لويزة في سرد ذكرياتها الجهادية قائلة “ألقي القبض على جدتي ثم ألقي القبض على أبي في الإضراب الذي قام به التجار في 1957 ثم أتى الدور على أختي مليكة ليأتي دوري ويتم القبض عليّ، بعد أن وشى بي أحدهم وقال أنني مع الجبهة، ففررت الى الجبل في عربة كانت محملة بالخضر والفواكه الى حمام ملوان بالولاية الرابعة بالمقاطعة الثانية المنطقة الثانية وكنت أرتدي لباسا عسكريا. في سبتمبر 1957 وقعت معركة بين المجاهدين وجيش الاحتلال الفرنسي وخضت هذه المعركة واستشهد من كان معي من المجاهدين، وأصبت بجروح وسقطت في بداية المعركة، بعد انتهاء المعركة ألقي علي القبض وأنا جريحة، وقال العساكر الذين أسروني لابد من استنطاقها لأنها امرأة ضعيفة لا تتحمل العذاب”. وتضيف لويزة “بدأ التعذيب ودخلت جهنم العذاب بعد أن أخذوني الى حيدرة، وقد تذكرت وصايا والدي لا تتكلموا ثمانية أيام، ومرت الأيام الثمانية وأنا في التعذيب وتمر 20 يوما ثم شهر ونصف الشهر وكنت في هذا التعذيب أتمنى الموت ولم أجدها، وكان جلادي يقول لي مازال العذاب فكنت أسبه، وفي شهر أكتوبر وضعونا في السجن ودخل علي عسكري وكنت في حالة مزرية ومجردة من اللباس، فقال لي ماذا تفعلين هنا يا صغيرتي ومن فعل بك هذا، ثم هل أخذوك إلى الطبيب؟ وبعد ذلك جاء أربعة مظليين فأخذوني الى المستشفى وأرادوا أن يبتروا رجلي في مستشفى مايو، وأمرهم ذلك الرجل العسكري الذي زارني بمعالجتي، وبعد المعالجة أعادوني الى التحقيق مرة ثانية وكنت أبحث هذه المرة كيف أنقذ نفسي... أدخلوني قاعة نظيفة بها سرير نظيف وألبوسني لباسا عسكريا فظننت أن هذه العملية من الأعمال البسيكولوجية وأعطوني طعاما دسما، بعدها جاءني ضابط في رتبة مقدم اسمه رشيو وسألني هل عالجوني؟ ثم قال لي صغيرتي من فعل بك هذا، ثم تم نقلي الى المحكمة ومن ثم الى السجن إلى برباروس، وفي السجن التقيت بالسيدة آني ستينر وسمعت أن أختي مليكة أخذوها إلى سجن الحراش”. وأضافت السيدة لويزة إغيل أن هؤلاء الجلادين الذين كانوا يعذبون النساء والرجال نراهم اليوم يتسوقون في أفخم وأضخم البزارات ويعيشون عيشة الرفاه، وقالت “ذات يوم كنت جالسة فشاهدت فيلما نسيت عنوانه فيه حوالي 52 دقيقة رأيت تلك الوجوه التي عذبتني ومن ثم كانت البداية لمقاضاة هؤلاء المجرمين.. لم يساعدني أحد بفلس واحد حينما بدأت معركتي مع هؤلاء المجرمين على صفحات الجرائد”. وختمت جلستها قائلة: “مبروك علينا خمسين سنة استقلال وأوصيكم بالمحافظة على الجزائر يا أبنائي فمهرها كان غاليا واسترجاعها كان ثمنه باهظا.. فإياكم أن تبيعوا بلادكم”.