العيد ربيقة : "التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر جرائم لن تسقط بالتقادم"    المجلس الشعبي الوطني : لجنة إثراء قانون الأحزاب السياسية تختتم أشغالها    سطيف..تسليم شهادات "تكوين في المقاولاتية"    تعمل على إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية.. الاتحاد البرلماني العربي يرحب بإنشاء "مجموعة لاهاي"    التهجم على الجزائر: اليمين المتطرف الفرنسي في مواجهة إدانة واسعة من مواطنيه    تيبازة..ربط قرابة 7000 منزل بالغاز الطبيعي في 2024    تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية, السيد عطاف يتواصل مع عدد من نظرائه الافارقة بشأن النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية    تندوف : أشغال إنجاز مصنع المعالجة الأولية لخام الحديد تشهد تقدما ملحوظا    باتنة: المناطق الرطبة تستقطب أزيد من 6800 طائر مهاجر    سيدي بلعباس: تفعيل اتفاقيات الشراكة والتعاون بين جامعة جيلالي اليابس و المؤسسة الوطنية للصناعات الالكترونية    صحف أوروبية توثق انتهاكات الاحتلال المغربي لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية    انطلاق سلسلة من اللقاءات لضبط التحضيرات للدخول المدرسي 2025-2026    علوش: الجزائر نجحت في الوفاء بالتزاماتها وطرح قضايا محورية على طاولة مجلس الأمن    وزير المجاهدين ينقل تعازي رئيس الجمهورية إلى عائلة المجاهد محفوظ اسماعيل    انطلاق التربص التكويني لفائدة اطارات وزارة العلاقات مع البرلمان    انطلاق عملية دفع تكلفة الحج لموسم 2025 عبر كافة ولايات الوطن    عرقاب يستقبل وفدا من اتحاد مالكي ومستغلي محطات الخدمات والوقود    فلسطين: مستوطنون صهاينة يحرقون مسجدا شمال أريحا    الجزائر العاصمة: افتتاح معرض " قم ترى" للفنانة التشكيلية سامية شلوفي    وهران : انطلاق تظاهرة الأبواب المفتوحة حول القوات البحرية    البطولة المغاربية المدرسية للعدو الريفي: المنتخب الجزائري يحصل على 6 ميداليات منها ذهبيتين    شرفة يترأس اجتماعاً تقييمياً    صادي: يجب أن نعمل بهدوء    غويري لاعباً لمارسيليا    بن ناصر يواجه بن موسى وزروقي    نقل قرابة 6 مليون طن من البضائع في 2024    مؤسّسات ناشئة تقدم حلولاً مبتكرة    ثلوج نادرة    الشرطة تُحسّس..    الغاز يقتل عشرات الجزائريين    رسالة من تبّون إلى رئيس غينيا بيساو    بلمهدي يُحذّر من الأفكار المشوهة والمدمّرة    رسائل صمود وتحدّي    سايحي يلتقي نقابة الممارسين الأخصائيين    سايحي يلتقي أعضاء النقابة الوطنية للممارسين الأخصائيين    ممتنّون لجهود الجزائر والرئيس تبون في دعم القضية الفلسطينية    القفطان القسنطيني.. يعانق عبق التاريخ الجزائري العريق    أتطلع لبلوغ العالمية بنافورات تنبض بالحياة    إعادة تشجير غابة جامعة "محمد بوضياف" بوهران    رئيس كوبا يشيد بانجازات الدبلوماسية الجزائرية بقيادة الرئيس تبون    التعريف بالفرص الاستثمارية المتاحة في الجزائر    طاقة الأكوان والألوان    حبكة مشوقة بين الأب والابن والزوجة المنتظرة    12 مسرحية.. "من أجل فعل إبداعي مؤثر"    "العميد" لتعزيز الصدارة و"الترجي" للاستفاقة    بن رحمة "سعيد" بالإمضاء لنادي نيوم السعودي    ضبط مراحل جائزة ساقية سيدي يوسف    تمنراست : إبراز دور الزوايا الكنتية في المحافظة على الهوية الوطنية وحسن الجوار    الجمعية العامة العادية للفاف: المصادقة بالإجماع على الحصيلتين الادبية والمالية لسنة 2024    هذه صفات عباد الرحمن..    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    وزير الصحة يُطمئن الأطبّاء    840 ألف دينار تكلفة الحج لهذا العام    معسكر: الشهيد شريط علي شريف… نموذج في الصمود والتحدي والوفاء للوطن    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واعظ أم صحافي؟
نشر في الفجر يوم 23 - 03 - 2014

توقفت طويلا أمام ”روميو” وتفرجت على حركاته ودرت حوله وطبطبت على ظهره. ما شاء الله. إنه أبرز شخصيات هذا المعرض والشخص الذي يرشحه العلماء لأن يأخذ مكاني في بيتي ويخدم أسرتي ويطعم أبنائي ويسلي زوجي، أو ينكد عليه، في غيابي. ما حاجتهم لي إذا تولى هذا الرجل الآلي القصير كل مهمات التنظيف والطبخ وكي الثياب وتقديم حبات الدواء في مواعيدها؟
حاولت أن أطرد شبحه من بالي وأعزي النفس بأن ”روميو” لن يستطيع أن يكتب المقالات التي أكتب. هذه مهمة لا تقدر عليها الروبوتات والأجهزة الآلية. كم كنت واهمة بل ساذجة! فها أنا أقع، في مجلتي المفضلة، على قائمة بالمهن المرشحة للانقراض لأن ما يسمى بالذكاء الصناعي، أو الاصطناعي، يمارسها خيرا من المشتغلين بها، بكلفة أقل وصمت أكبر.
لن يحال عمال مصانع النسيج وحدهم على المعاش لأن الآلة سرقت أمكنتهم، بل المحامون وموظفو المصارف وبائعات السوبر ماركت والسكرتيرات والمحاسبون وسماسرة العقارات وحتى سعاة البريد والخبازون. الآلة تسكب مقادير الطحين والخميرة والماء وتعجن وتقولب وتخبز وتسلمك رغيفك اليومي حارا ومحمصا ورخيصا مثل ”خبز باب الأغا” في بغداد.
في تلك المدينة، قبل عقود من الزمان، جلست مع زملائي في قسم الصحافة نستمع إلى أستاذ مصري يوصينا بأن الوضوح هو أهم شروط الخبر والتقرير والمقال. قال لنا الدكتور خليل صابات إن أصحاب جريدة ”أساهي” اليابانية طوروا جهازا يراجع مقالات المحررين ويحدد ”درجة انقرائيتها”. يعني سلاستها أو تعقيدها. إنه مزود بقائمة من الكلمات العويصة والتراكيب ”المعصلجة”، فإذا زادت على حد معين في المادة التحريرية فإنه يوصي بإعادة كتابتها، أو عدم نشرها، وقد يلقيها في سلة المهملات، أي يبتلعها، من دون العودة لمدير التحرير.
رفع طالب كسول يده وقال: ”ماذا سنفعل، يا دكتور، إذا اخترع اليابانيون جهازا يكتب مقالاتنا بدلا عنا”؟ وبحس النكتة المصري الشهير رد الأستاذ: ”اطمئن يا ابني لأن أجدع جهاز ياباني لن يتمكن من تقليد أسلوبك”.
كان ذلك ونحن في مطلع السبعينات الماضية. أما وقد شهدنا ثورة الإلكترون واستغنينا عن القلم وتعرفنا على محركات البحث وصرنا نقرأ الصحف على الشاشة ونلتقط الصورة بالهاتف ونرسلها حيثما نشاء وإلى أبعد نقطة في الأرض، فإن من حق طلاب الصحافة، ومعهم المترجمون والمصححون والخطاطون والرسامون وأهل الطباعة والموزعون وأصحاب المكتبات، أن يضعوا أيديهم على قلوبهم. هل سيحضر القارئ في الموعد أم ينصرف إلى ما هو أكثر فائدة وإثارة؟
والثورة مستمرة. ولعل ”الربيع الإلكتروني” ما زال في بداياته. وبيننا من يتمنى لو يعيش مائة سنة مقبلة لكي يرى بأم عينيه ما ستصل إليه البشرية من أعاجيب. فهناك اليوم برمجيات رقمية قادرة على كتابة متابعة لمباراة في كرة القدم دون شطط أو زلة أو انحياز. وقد حقق ”المحرر الآلي” لجريدة ”لوس أنجليس تايمز” سبقا صحافيا في تغطية زلزال ضرب المدينة، قبل أيام.
وفي الطب، هناك برنامج يقرأ نتائج التحليلات المختبرية وصور الأشعة ويشخص المرض بدقة يحسده عليها كبار الاختصاصيين. وبحسب تطبيقات أنجزها أصدقاؤنا الهنود وأعداؤنا الإسرائيليون فإن الحاسوب أقدر من القانونيين على إصدار الأحكام وتحديد نوع العقوبة ومدتها أو مقدار الغرامة. لقد لاحظوا أن القضاة يتخذون قراراتهم تبعا لحالتهم النفسية. وهم يصدرون أحكاما أكثر رأفة بعد فرصة الغداء، عن تلك التي يقضون بها وهم جياع. أما الروبوت فلا يعطش ولا يجوع ولا يفرح ولا يحزن ولا يحكم حسب الهوى والمزاج.
لقد ألبسوا الإنسان الآلي ”روميو” بدلة بيضاء وعلموه كيف يعتني بالمسنين في دور العجزة؛ أن يقدم لهم أطباق الطعام ويساعدهم على الأكل ويأخذ بأيديهم عند القيام والمشي ويحضر لهم قدح الماء ويقرأ لهم من كتاب في عبه ويعزف لهم الموسيقى ويشغل التلفزيون ويدلك لهم أطرافهم ويغطيهم ويطبع قبلة على رؤوسهم ثم يطفئ النور ويتمنى لهم أحلاما سعيدة. ومن يدري؟ قد يبرمج لهم أحلامهم، ذات يوم قريب، حسب الطلب.
ماذا سيبقى من مهن ومهارات عصية على الروبوت؟ القائمة تشير إلى المهندسين والممرضات وأطباء الأسنان والمحللين النفسانيين ورجال الدين. دع ابنك يتعلم الوعظ... لا الصحافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.