من يلتفت للكارثة البشرية التي تعيشها إفريقيا ومن يضع حدا لمعاناة الإنسان هناك في منطقة الساحل، التي تحولت إلى منطقة للموت والصراعات تحت كل المسميات، ومنطقة عبور للسلاح والمخدرات. 46 مهاجرا نيجيريا لقوا حتفهم على مشارف صحراء الجزائر عطشا وجوعا، فروا من أوطانهم هروبا من الحرب والفقر، بحثا عن واحة للسلام وعن ما يسد الرمق، في انتظار أن يجدوا طريقهم إلى الضفة الأخرى من المتوسط. ومثلما يموت الحراڤة الجزائريون والتونسيون وغيرهم غرقا في البحر المتوسط. قبل الوصول إلى الإلدورادو الأوروبي، يموت الأفارقة غرقا في رمال الصحراء تحت نار الشمس الحارقة عطشا وجوعا. إفريقيا التي تخطط القوى العظمى لاستغلال ثرواتها، ويتنافس صينيون وأمريكان وأوروبيون على السيطرة على مستقبلها، تقف اليوم أمام معضلة الفقر والحرب والهجرات، لم يترك الإرهاب تحت كل المسميات من أنصار الدين إلى القاعدة وبوكو حرام وغيرها من المصائب التي حلت بالقارة باسم الدين، من أمل للإنسان الإفريقي غير الهروب، بعد أن ضاقت به الدنيا، وتفاقمت الأزمة الأمنية بسقوط ليبيا وصارت منطقة الساحل منطقة لتجارة السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر، فكانت الضحية الأولى للربيع العربي المزعوم هم هؤلاء الفقراء. فبعد أن كانت ليبيا القذافي ملجأ لهم، فاتحة أبوابها لهم، توفر لهم العمل ولقمة العيش، ها هم اليوم ينتشرون عبر الصحاري والمخاطر باحثين عن بصيص أمل. أين هو الجيش الفرنسي الذي قاد حربا السنة الماضية ضد الإرهاب في شمال مالي، أمام معاناة سكان الساحل، أم أن مصير الأفارقة لا يعنيهم، كل ما يعنيهم هو مناجم الأورانيوم والذهب والثروات الأخرى، هم يريدون إفريقيا بدون أفارقة، ولا بأس أن يهجروا نحو الموت سواء في رمال الصحراء أو في عرض البحر. أين هي المنظمات الإنسانية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، كيف تلوذ بالسكوت ويوميا يواجه المئات من الأفارقة، أطفالا ونساء، مصيرا مجهولا؟ أين السلطات الجزائرية مما يلاقيه جيراننا الأفارقة من مآس على أراضيها؟ كيف لا يهزها ما يواجهه المئات من المهاجرين الأفارقة على ترابنا من ذل وتشرد، ولا تحاول حتى أن تحصيهم وتقدم لهم أو على الأقل لأطفالهم الإسعافات وتوفر لهم ملاجئ تصون كرامتهم؟ نحن الذين نتكرم على صندوق النقد الدولي ونقرضه الملايير، ونحن من محونا ديون بلدان إفريقيا وحكومات عميلة لأوروبا وأمريكا، لماذا لا توجه هذه الأموال لإسعاف هؤلاء بتوفير موارد رزق لهم في أوطانهم؟ ندعي أننا دولة محورية في إفريقيا، لكننا نسجل غيابا مدويا عندما يتعلق الأمر بفقراء القارة والأزمة الإنسانية التي يعيشونها في السنوات الأخيرة! فلو أننا استأثرنا ولو جزءا يسير من مداخيل النفط وما “تبرعنا” به لصندوق النقد، لأحدثنا حراكا اقتصاديا في دول الساحل التي ستكون سندا لنا وحماية لظهرنا في هذه الظروف الصعبة، ولقطعنا الطريق أمام الجماعات الإرهابية التي تستثمر في فقر السكان. ولما كنا في حاجة إلى رفع درجة الاستنفار هناك التي تكلفنا غاليا، لكنها لا تحد المشكلة الأمنية ولا تحد من الهجرات غير الشرعية بكل ما تحمله من مآس؟