غداة رحيل المناضل الكبير والشخصية الوطنية المرموقة عبد الحميد مهري مطلع 2012، تناولت بعض الصحف المحلية موضوع ”مذكراته” ونسبت إلي شرف كتابتها، وتكرر هذا الخطأ بمناسبة الذكرى الأولى والثانية لرحيله. وبلغني أخيرا أن ابن الراحل سهيل يعتقد ذلك أيضا. هذا اللبس يدفعني إلى التوضيح، بأنني لم أكتب ”مذكرات” عبد الحميد مهري لسببين رئيسيين: أن مهري صحافي سابق وكاتب مقتدر وخطيب مفوه، أي كان باستطاعته أن يكتب مذكراته بنفسه، لولا مفاجأة الأجل المحتوم الذي حرمنا منها. أنني شخصيا كاتب صحفي ولست مكتتبا (سكرتيرا)، رغم احترامي لهذه الشخصية الوطنية المرموقة، علما أنني مختص في الشهادات التاريخية، ولم يسبق لي أن كتبت مذكرات أحد، بل اعتذرت عن كتابة مذكرات الرئيسين الشاذلي بن جديد وعلي كافي (رحمهما الله). وكل ما حدث لي مع الفقيد مهري أنني سجلت شهادته حول الحركة الوطنية وثورة التحرير لغرض محدد: مشروع كتاب بطلب من السيد خير الدين حسيب مدير مركز دراسات الوحدة العربية، يرغب في نشره ضمن سلسلة ”التاريخ من خلال الشهادات”، أو من أفواه صانعيه. هذا الطلب طرحه علي الصديق الوزير الدكتور علي بن محمد، في غضون الفصل الأول من سنة 2010، طبعا أبديت موافقتي فورا، لما في ذلك من تشريف لشخصي المتواضع، كواحد من أطفال الثورة الذين يحظى لديهم مهري وأمثاله بمكانة متميزة وسمعة كبيرة. تلت ذلك بعد فترة ”جلسة عمل” في فندق الجزائر، بحضور مهري، أطلعنا خلالها بن محمد على مضمون رسالة خير الدين حسيب حول الموضوع، وفيها إشارة إلى ما يترتب على إنجاز هذا العمل من واجبات وحقوق للشاهد والكاتب معا (مثلا اقتسام حقوق التأليف مناصفة). وتم بالمناسبة الاتفاق على مضمون الرسالة، والشروع في إنجاز العمل في أقرب الآجال. انطلقت عملية التسجيل السمعي في 21 يونيو من نفس السنة، بقاعة استقبال مركز البحث في الحركة الوطنية والثورة التي وضعها الدكتور جمال يحياوي مشكورا تحت تصرفنا. وتأكيدا بأن الأمر يتعلق بتسجيل شهادة، فقد وجدنا بالقاعة آلات للتصوير، لأن مدير المركز كان يرغب في توثيقها أيضا، وكلف بذلك الزميلة الصحفية خضراء، غير أن مهري اعتذر عن ذلك، مكتفيا بالتسجيل الصوتي للغرض آنف الذكر. استمر التسجيل إلى غاية 15 يونيو 2011، حسب المنهجية التالية: يحرر الكاتب ما سجل في كل جلسة، ويقدمه للشاهد للمراجعة والتصحيح، وهذا الأخر هو الذي يسلم النص إلى أمانة مدير المركز لتصفيفه في صيغة المصححة. تناولت الجلسات الأولى محاور رئيسية حسب التسلسل الزمني، وبعد استيفاء هذه المحاور في خطوطها العريضة عقدت جلستان أو ثلاثة للاستدراك والإثراء، حاول الكاتب خلالها أن يتعمق أكثر في استنطاق الشاهد، لإضافة ما أمكن من المعلومات والذكريات والآراء. في مرحلة الاستدراك والإثراء توقف العمل بعد جلسة 15 يونيو 2011 توقفا عاديا، ما لبث للأسف أن أصبح نهائيا: سبب العطلة الصيفية، ثم المرض فالوفاة، في 30 يناير 2012 في صائفة هذه السنة تم إنجاز المشروع، وكان من المفروض أن أسلم المسودة في قرص مضغوط ونصوص مرقونة إلى بن محمد، لينقلها إلى مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، بنية إصدار الكتاب الشهادة في الذكرى الأولى لرحيل مهري (يناير 2013). لكن من باب اللباقة، واستجابة لرغبة بن محمد تم تسليم المسودة إلى ابنه سهيل.. ولمزيد من التوضيح، أؤكد مرة أخرى أنني سجلت شهادة الفقيد عبد الحميد مهري لفترة محددة (1942 1962)، ولغرض محدد: مشروع كتاب ضمن سلسلة لمركز دراسات الوحدة العربية، ويترتب على ذلك للكتاب حقوق منها: حق التصرف في الشهادة التي سجلها وحررها بنسبة 50? حق الإعتراض على تحويل عمله، إلى وجهة أخرى غير الوجهة التي وضع لأجلها، أي مشروع كتاب خاص بمركز دراسات الوحدة العربية. بمعنى أن ليس من حق ورثة الراحل، أن يعتبروا المسودة التي بين أيديهم ”مذكرات أو جزء من مذكرات ”بصيغة الكاتب وأسلوبه، كما ليس من حقهم استعمال المعلومات التي يجمعها الكاتب من الفقيد ومصادر أخرى إلا بترخيص مكتوب من صاحبها. أن في اعتبار الشهادة المنجزة ”مذكرات” إساءة معنوية، لأنها تنزل محمد عباس من مرتبة ”كاتب مكرس” إلى منزلة مكتتب (سكرتير)، وهي إساءة يحتفظ بحقه في رفعها بالوسائل القانونية. للتذكير أنني لم يحصل لي شرف معرفة مهري الابن قبل وفاة والده، وأن العمل الذي أنجزته تم تحت مراقبة الفقيد، وهو في كامل قواه البدنية والذهنية.
ملاحظة: التقديم الذي وضعته للمسودة يحمل تاريخ 28 يوليو 2012.