يقدم سمير قسيمي عملا وجوديا من خلال روايته الأخيرة "حب في خريف مائل" فاتحا المجال لشخوصه الذين يتساءلون عن "الحب"، "الجنس" و"المصير" ويبحثون عن يقين فيما مضى من حياتهم. الرواية الصادرة في الجزائر ولبنان عن منشورات الاختلاف الجزائرية وضفاف اللبنانية تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، ويظهر فيها قسيمي وهو ينحو إلى سؤال وجودي عبر الراوي جراح الأسنان السابق”نور الدين” العجوز ذي 85 سنة ومحاوره”قاسم أمير”، ويقدم قسيمي الراوي -عبر حواره الذي يشكل مسار الرواية- كونه شكاك وجودي يحاول أن يتحدث عن يقينيات، حيث يرى البطل أنه ”لا وجود للجنة والنار” وإنما هي ”فكرة رائعة تخلق نوعا من التوازن بين الخير والشر”. ويقترح الروائي في حوار بين نور الدين والعجوز الثاني قاسم أمير، الذي يبدو وكأنه يأخذ دورراو ثان تصوره العام للحب والجنس والعلاقات والحياة والإيمان بسرعة ما يربط القارئ مع بطله ليمر إلى تفاصيل وجزئيات وجودية، ويصل تطرف العجوز إلى اعتقاده أنه لا يوجد حب ”لم أحتج إليه في حياتي...لقد تزوجت وأنجبت وضاجعت مئات النساء بغير حب...ومستمر في الحياة بلا حب أيضا” بل ويتصور أنه ”لا جدوى من التفكير في الغد ما دام لم يأت”، ويمكن اعتبار رواية قسيمي مساحة مفتوحة للبوح بين شيخين في خريف العمر فيكشف العجوزان موقفهما من الحياة، وتدريجيا يصبح قاسم هو القائد بينما يتبعه نور الدين. ويشكل حب قاسم لجميلة العمود الذي تتكئ عليه الرواية، وهو حب غير حياة العجوز وجعله يتخلص من عاداته وظروف حياته لينخرط في مقتضيات معشوقته”جميلة”، رغم أن علاقتهما بدأت جنسية بحتة، وتوجد أكثر من ذروة في نص سمير، لعل أحداها صدمة قاسم عندما يلتقي حبيبته الموعودة”جميلة” وبعد أن تكون قد منحته الكثير تتنكر له فجأة وتنسحب، لكنه يردد أن ”الكبرياء.. لا يجدر بالمحب أن يملك شيئا منها، كل ما عليه هو انتظار ما يعطيه المحب...”، وفي النهاية يتزوج قاسم جميلة ويفعل قبل أسبوع من دخولها المستشفى مصابة بسرطان الدم وقبل موتها حيث يضع قاسم حدا لحياته وحياتها، فيما يبقى الراوي نو الدين يعيش على ذكراه ما تبقى من أيام. ويمكن اعتبار رواية قسيمي نموذجا مختلفا عما عودنا، فهي رواية مباشرة وببناء واضح وضع رهانها على الموضوع والحكاية، وقد سمحت هذه الرواية باكتشاف لغة ناجحة يستخدمها سمير بشغف. وهي رواية حب تعرفه وتؤكد أن له وجوها وأشكالا كما جاء على لسان قاسم أمير ”الحب وحده ما يمنح القدرة على الغفران...ما يجعل المهم تافها”، ويخصص الروائي جزءا للوحة جنسية يجتهد في منحها لمسة فنية وأدبية، حيث ينجح في تصوير مغامرة قاسم أمير على لسانه مع جميلة في القطار، وهي مغامرة -على وقاحتها- استجابت للتصوير الفني. ويمكن الإشادة ببناء الشخصيات في هذه الرواية دون الغوص في تفاصيلها ببراعة، فعبد الله طرشي شخصية غائبة لكن إلحادها وبحثها عن الايمان حتى ولو في ”نهر كانج” الهندي كان مرجعا لوجودية الرواية، ولعل ما يؤخذ على الرواية أن الراوي نور الدين كان سلبيا فلم يبادر إلى أخذ زمام الأمور من قاسم الذي هجم على الحكاية وأخذها حيث شاء، وربما ينتظر القارئ مسار الراوي الذي أفاق مفزوعا وحكايته. تعتبر ”حب في خريف مائل” سادس أعمال سمير قسيمي أول روائي جزائري يدخل قائمة البوكر الطويلة في 2009، والحاصل على جائزة الهاشمي سعيداني 2010 عن روايته ”يوم رائع للموت”، وله أيضا ”تصريح بضياع” و”هلابيل” و”في عشق امرأة عاقر” و”الحالم”.