يوم غير مسبوق عاشه أمس حي الشجاعية في غزة، 60 قتيلا في صبيحة واحدة، وعائلات بأكملها، محت القنابل أسماءها من قائمة سكان غزة. إسرائيل تستغل التواطؤ الدولي وصمته أمام مجازرها لتقتل المزيد والمزيد من النساء والأطفال في فلسطين. وزاد من جنونها أن سلاح المقاومة الفلسطينية تمكن من إلحاق أضرار بجيشها وإسقاط عدد من الضحايا في صفوفه، ولذلك فهي لا تفرق بين المقاومة والسكان العزل، وبين خنادق كتائب القسام وبيوت الأبرياء وحقولهم وممتلكاتهم. لم تعد غزة فقط حقل تجارب للسلاح الإسرائيلي، بل تحولت على اتساعها إلى مقصلة كبيرة تعدم فوقها فلسطين والشعب الفلسطيني، الذي رغم المجازر والتهجير، ورغم التآمر الدولي ضد قضيته مازال متمسكا بحقه في العيش بكرامة على أرضه، ما زال متمسكا بحقه في تحرير أرضه من أبشع أنواع الاستعمار. لن نثق بعد الآن بما تقوله وتمليه القوى الدولية وادعائها الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا وليبيا وتونس والجزائر وغيرها. إنها مجرد خدعة لتزرع الفتن والفوضى وتسيطر على سلطة القرار في بلداننا وتفعل بها ما تشاء. لن نهتم بعد اليوم بتقارير المنظمات الدولية التي تدعي حرصها على تحسين ظروف العيش لشعوب البلدان التي ترزح تحت التخلف والأنظمة الجائرة، فهذه المنظمات وأمام ما يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة لم تعد تعنينا، وقد فقدت مصداقيتها إلى الأبد. ونفس الكلام ينطبق على الأممالمتحدة. هذه المنظمة التي لا تحسن إلا التآمر على الضعفاء. الأممالمتحدة وكل المنظمات المنبثقة عنها إلى الجحيم. إلى الجحيم اليونيسيف التي تمضي وقتها تتباكى على الأطفال في العالم، وتوظف الحسناوات سفيرات لديها. لم يحركها منظر أطفال فلسطين وهم أشلاء، أو أيتام فقدوا كل أفراد عائلاتهم، وهم يقصفون على الشاطئ يلاحقون كرة. لا أحد قادر على وقف جبروت إسرائيل، لا المحكمة الدولية التي تهدد الحكام الذين ينعتهم الغرب بالدكتاتورية، ويتخذ هذه التهمة ذريعة لقلب الأنظمة وهدم البنيان، قادرة على توجيه مجرد تهمة لإسرائيل، هذا الكيان الجائر الذي مازال ماضيا في تعنته وظلمه للشعب الفلسطيني يريد اقتلاعه بالقوة من أرض. كلهم يتشدقون بالعدل ويتخذون من شعارات الحرية والمساواة والعدالة شعارات لهم، بينما يقفون كلهم خلف إسرائيل ظالمة ولم تكن يوما مظلومة. حسين أوباما، هذا الرئيس الأسود الذي صفق لمجيئه إلى البيت الأبيض العرب والمسلمون السذج، معتقدين أنه سيغير وجه أمريكا ومواقفها من إسرائيل والقضية الفلسطينية، ها هو يخذلهم ويبصم لإسرائيل مدعما عدوانها على غزة، مثلما تدعم فرنسا كل ما تقوم به إسرائيل من جرائم في حق أطفال غزة، حتى أنها صارت تقمع الحريات وتمنع التظاهر، وهي التي كانت تدعي أنها معقل الحرية. لكن الظلم الأكبر منا وفينا، فقد نجحت إسرائيل والغرب أن تشتت الصف العربي، وتلهي كل بلد وشعب بمصائبه، فمن أين للعراق أن يبكي أطفال غزة، والموصل تفرغ من مسيحييها، يخرجون في سابقة في التاريخ هائمين تحت سيف سفاح جديد يدعي الخلافة؟ وكيف لمصر أن تقف إلى جانب فلسطين، وهي تواجه آفة الإرهاب، أمس فقط سقط 21 جنديا من أبنائها بنيران هذه المصيبة؟ كيف لمصر أن تدافع عن قضية العرب الأولى، وبعض إعلامها يغرق في الخيانة ويبارك جرائم إسرائيل؟ من أين لليبيا أن تفزع لمناصرة فلسطين وهي تواجه التقسيم وتنام وتصحو كل يوم على جريمة جديدة، تستهدف خيرة أبنائها؟ من أين لتونس أن تبكي جرح غزة وهي تواري كل يوم أبناء لها في التراب، سقطوا بنيران الغدر الإسلامي، هذا الداء الذي زرعته فينا مخابر أمريكا؟ وسوريا، من أين لها أن تبكي فلسطين وقد بكت دما كل يوم على ما تواجهه من دمار وحقد؟! من يلقم كلاب إسرائيل حجرا، فلم يعد في بلاد العرب حجارة ولا ذراع تقوى على الرجم؟!