بلجيكا: شايب يؤكد حرص السلطات العليا للبلاد على التواصل المستمر والمكثف مع الجالية    انطلاق أشغال الورشة الإقليمية لمكتب شمال إفريقيا للجنة أجهزة الاستخبارات والأمن الإفريقية بالجزائر العاصمة    المجلس الشعبي الوطني: دورة تكوينية لفائدة النواب حول "أمن الهواتف الذكية"    حزب "تاج" يعرب عن ارتياحه للخطوات الإصلاحية التي تشهدها الساحة السياسية الوطنية    مزيان يدعو الصحفيين الرياضيين إلى الدفاع عن القيم والقواعد الأخلاقية للمهنة    منتدى الأعمال الجزائري-السعودي : تأكيد على الرغبة المشتركة في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين    صليحة ناصر باي : السياحة الصحراوية تحقق أرقامًا قياسية ونحو وجهة جزائرية عالمية    ممثل جبهة البوليساريو يشيد بجلسة مجلس الأمن ويؤكد: تقرير المصير هو السبيل الوحيد لحل قضية الصحراء الغربية    تواصل سقوط الأمطار الرعدية بعدة ولايات من البلاد إلى غاية غد الاثنين    زروقي يُشدّد على تقريب خدمات البريد من المواطن    ارتفاع ودائع الصيرفة الإسلامية    يوم إعلامي توعوي لفائدة تلاميذ    ندوة دولية عمالية للتضامن مع الشعب الصحراوي    اليمن تحترق..    تحوير المفاوضات: تكتيك إسرائيلي لتكريس الاحتلال    صادي يجتمع بالحكام    زيت زيتون ميلة يتألّق    اختتام بطولة الشطرنج للشرطة    البنك الدولي يُشيد بجرأة الجزائر    شرطة العلمة توقف 4 لصوص    عندما تتحوّل الرقية الشرعية إلى سبيل للثراء    شرطة الجلفة تكثف أنشطتها الوقائية والتوعوية    التحوّل الرقمي وسيلة لتحقيق دمقرطة الثقافة    الباحث بشر يخوض رحلة في علم الأنساب    هذه مقاصد سورة النازعات ..    المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة: برمجة عدة تربصات انتقائية جهوية عبر 3 مناطق من الوطن    البطولة الولائية للكاراتي دو أواسط وأكابر بوهران: تألق عناصر ساموراي بطيوة وأولمبيك الباهية    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51201 شهيدا و 116869 جريحا    عيد الاضحى: وصول أول باخرة محملة ب 15.000 رأس غنم الى ميناء الجزائر    عشرات الشهداء بغزة وتحذير أممي من انهيار إنساني وشيك    اتساع دائرة المشاركين في الاحتجاجات الشعبية بالمغرب    تنصّيب قائد الدرك الوطني الجديد    إجلاء صحي ل 3 مسافرين بريطانيين شمال رأس ماتيفو بالجزائر العاصمة    برنامج ثري ومتنوع للاحتفاء بشهر التراث    افتتاح المهرجان الدولي ال14 للموسيقى السيمفونية    تنظيم لقاء حول آليات حماية التراث المعماري والحضري    الولايات المتحدة تستهدف الصين بضرائب جديدة    "أشوك ليلاند" الهندية مهتمّة بالاستثمار في الجزائر    110 مليون إعانة مالية لبناء السكن الريفي قريبا    الموروث الشعبي النسوي في "وعدة لالا حليمة"    موناكو ونوتنغهام فوريست يتنافسان لضمّ حاج موسى    محرز يحقق رقما قياسيا في السعودية ويردّ على منتقديه    "السي أس سي" في مهمة تشريف الجزائر    شباب يرفضون العمل بأعذار واهية    جهود كبيرة لتحسين الخدمات الصحية    مشروع فيلم جزائري - هولندي بالبويرة    سأظل وفيا لفن كتابة السيناريو مهما كانت الضغوطات    "القرقابو" أو "الديوان" محاكاة للتضامن و الروابط الاجتماعية    حجز عتاد ووسائل مستغَلة بصفة "غير شرعية"    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    تقييم أداء مصالح الاستعجالات الطبية: سايحي يعقد اجتماعا مع إطارات الإدارة المركزية    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفول دور مصر.. دعاية أم علم؟
نشر في الفجر يوم 04 - 08 - 2014

كلما اختلفت الجماعات العربية المتطرفة والكيانات الراعية لها مع من يقود مصر، كان واحدا من أساليب الدعاية ضد النظام في مصر هو أفول الدور المصري مرة، أو تراجعه مرة أخرى، ثم يأخذك البعض في رحلة زمانية إما من محمد علي إلى الآن، أو من عبد الناصر إلى السيسي، بما في هذا السرد التاريخي من اختزال وابتذال. ولكن لأن العلم ليس هو الهدف بل الردح بما يشبه العلم فلا غرو في تشويه التاريخ. وهل السرد التاريخي وحده هو الذي يحسم هذا؟ بالطبع لا.
كأستاذ للعلوم السياسية ودارس لها أقول بوضوح إنه لا يوجد في علم السياسة شيء اسمه دراسات ”الدور” (role studies)، توجد دراسات في السياسة المقارنة وفي السياسات الخارجية المنفردة والمقارنة، وتظهر كلمة الدور في الكتابات الصحافية وأحيانا في مؤسسات مسيسة. لكن الظاهرة العربية الغريبة هي أن كثيرا من الصحافيين والباحثين العرب يلتقطون مفهوما ويروجون له وكأن به شيئا من العلم. وما يصنف على أنه علم أو فرع من العلوم لا بد أن تكون له مبرراته الفكرية.
ربما نقلت الفكرة عندنا نتيجة متابعة البعض للحديث السياسي وغير العلمي عن ”الدور الأميركي في العالم”، وهو حديث يتناوله البعض في الخطب السياسية، لكنه حديث محكوم بمدى بعد السياسة الخارجية الأميركية أو قربها من المحددات التي رسمها الدستور الأميركي والقيم الحاكمة. يختلف المثاليون من جماعة الرئيس الأميركي وودرو ويلسون مع الواقعيين من جماعة رونالد ريغان مثلا. لكن الحديث منصب دائما على هذه النقطة: ما هو الدور الذي رسمه الدستور المتفق عليه ومدى قدرة الحكومات المختلفة على تنفيذه أو الانحراف عن المسار... إلخ؟
المهم هنا هو أن الأصل في الموضوع دراسة السياسة الخارجية في إطار الدوافع المحلية المحركة ومدى تطابقها والمصالح الأميركية أو القدرة على حماية تلك المصالح، وحتى هذا يقع في إطار دراسة السياسات لا دراسة السياسة.
الحديث عن دور مصري في العالم العربي إما أن يكون دعاية للدولة نفسها ولحكامها، كما في عبارة عبد الناصر الشهيرة ”إن في المنطقة دورا يبحث عن لاعب”، وكان فيها تبرير لمغامرات حصدت مصر نتائجها.. أو أن يكون الحديث عن الدور دعاية مضادة تهدف إلى الانتقاص من أهمية من يحكمون في مصر في فترة ما، ومعه الانتقاص مما يطلق عليه صورة الدولة. وكلتاهما دعاية ودعاية مضادة لا علاقة لها بعلم السياسة لكن لها علاقة بعلم الدعاية.
كلما ظهرت أزمة أو حرب في محيطنا العربي انجرف كثير ممن يمتهنون الكتابة إلى الحديث عن الدور.
منطقي أن نتحدث عن السياسة الخارجية المصرية وأولويات الدولة في مرحلة حكم ما.
فإذا أخذنا مرحلة السيسي مثلا تجد العقلاء ممن يدرسون السياسة يقولون لك إن الرجل لم يمكث في الحكم وقتا كافيا يسمح بدراسة سلوكه السياسي.
أما الباحثون عن دعاية مضادة فسيقولون لك إن السيسي هو امتداد لمبارك، وكأن أربع سنوات من الثورات والاضطرابات لم تؤثر على الدولة المصرية في شيء، وأن محصلة تأثيرها على سلوك الدولة الخارجي والداخلي صفر كبير. وطبعا هذا حديث لا ينتمي إلى عالم العلم والمعرفة بقدر ما هو قريب من عالم الإيمان والآيديولوجيات التي لا ترى إلا ما تعتقد.
نعم هناك تحديات تواجه النظام المصري البازغ بعد تغيير مسار الحكم في الثالث من يوليو (تموز) 2013. تحديات داخلية، اقتصادية واجتماعية وسياسية، لنظام ليس له جناح تشريعي بعد، وكذلك تحديات خارجية من الشرق والغرب والجنوب. السؤال هنا هو: ما مدى توازن تلك الأولويات والمفاضلة بين الخارجي والداخلي في نظام يتحسس أقدامه في حكم جديد وفي ظل دستور جديد؟
هذا النوع من الأسئلة يزعج جماعة الدور وجماعات الدعاية.
ثم إن الدولة بشكل عام، كبيرة كانت أو صغيرة، ليست لاعبا منفردا في عالم السياسة الخارجية (unilateral actor)، فالدولة أحيانا تنخرط في صراعات رغما عنها وليس برغبتها، لأن الفراغ الاستراتيجي يشدها بحكم نظرية الفراغ.
وقد تدخل الدولة في مغامرات سياسات خارجية برغبتها ولا تستطيع الخروج برغبتها، كما حدث للدولة العظمى الوحيدة الآن في حربها في فيتنام.
دول كبرى تفشل كثيرا في تحديد ملامح دورها، فما بالك بدول متوسطة القوة؟
يخلط البعض ما بين التأثير الثقافي المصري في المحيط العربي الذي يقع في سياق ما سماه جوزيف ناي بالقوة الناعمة، وبين الدور المصري الكلاسيكي كجزء من سياسة مصر الخارجية.
والدور المصري ليس حروبا. ترى كيف نقيم الدور المصري في مرحلة السادات بعد حرب وبعد سلام؟ في الحرب تعاظم مستوى التنسيق بينه وبين العرب وقل الدور في الغرب، بعد السلام عزلت مصر عربيا وانطلقت عالميا. النقطة هنا لجماعة الدور: هل سياسة مصر الخارجية كل مجمل في أفريقيا والشرق الأوسط وبقية العالم، أم أن لمصر سياسات مختلفة تجاه دول بعينها أو مناطق بعينها؟
موضوع الدور هذا دعاية، إما منا كمصريين، وهي دعاية إيجابية أحيانا وسلبية في حكاية دور يبحث عن لاعب مما يؤدي إلى هزيمة في اليمن ومع إسرائيل عام 1967.. أو دعاية سلبية ضد النظام القائم من قبل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان ومن كفلهم من الدول مثل تركيا وقطر، ومن مقالات ومقابلات وأحاديث المروجين لهذا المحور المضاد لمصر. حديث دعاية يريد البعض أن يغلفه بغلاف العلم.
ليس هناك شيء اسمه دراسات الدور في علم السياسة. علم الدور، لو أن هناك علما، يقع في إطار دراسات الدعاية.
وأخيرا موضوع الدور هذا استعارة أو صورة مجازية منقولة من عالم التمثيل وعالم المسرح، وهذا يقرب الفكرة لكنه يضلل. فهل ما تقوم به إسرائيل في غزة هو دور وتمثيل، أم أنه ممارسة للسياسة والهيمنة بوسيلة أخرى وهي آلة الحرب؟ هل يمكننا الحديث المجازي عن الدور الإسرائيلي في الشرق الأوسط.. أم أننا نضلل الناس وننقل القتل الحقيقي إلى عالم التمثيل والمسرح ونحول الحديث إلى لغة الدور ومفرداتها؟ أليس هذا تضليلا حتى لو كانت لم تقصده جماعة الدور؟
أقول لجماعة الدور بالعلم وبالبلدي ”لموا الدور”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.