قدمت ”الشرق الأوسط” مادة جيدة عن سؤال طرحه الإعلام الإنجليزي مؤخرا وهو: دفاع ضعيف أم هجوم قوي؟! طرح السؤال في ظل ارتفاع معدل التهديف في الدوري الإنجليزي ”الكبير” لكرة القدم، حيث بلغ المعدل نحو 2.95 أي أن معدل التسجيل اقترب من 3 أهداف في المباراة الواحدة، وهو رقم مرتفع، لا شك أنه يسجل لصالح كرة المتعة والإثارة، والجميل أن المعدل في دوري عبد اللطيف جميل ليس بعيدا عن المعدل الإنجليزي، حيث وصل إلى 2.8 واقترب أيضا من 3 أهداف، علما بأن البداية كانت أفضل، والحقيقة أن المعدل المفرح في الدوري السعودي يتمثل هذا الموسم في الحضور الجماهيري الذي تضاعف عن المواسم القليلة الماضية، وهو رقم جيد؛ لكننا نطمع في معدل أفضل بلا شك. أعود إلى السؤال، وأجيب قائلا: في لعبة متحركة، متجددة بخططها وارتباطها بالعلم والتطور في شتى المجالات، من الصعب الفصل والحسم وتقديم إجابة قاطعة، لكن يمكن القول إن أداء المدافعين قد تراجع في وقت تحسن فيه أداء المهاجمين. والمنطقية تتمثل في التركيز على ما يراه بعض الإنجليز حول الحماية الزائدة للمهاجمين من التدخلات الخشنة؛ الأمر الذي يربك المدافعين. وفي هذا الصدد يقول لي ديكسون: ”أعتقد أن اللاعبين يشعرون بقدر من التوتر من ارتكاب المخالفات؛ لكنني أحزن لو اختفى فن الدفاع” ويخشى ديكسون وغيره من تحويل اللعبة إلى رياضة بلا احتكاك. ورغم منطقية تفسير سبب ارتفاع المعدل، وإن كنت لا أوافق على ذلك على نحو قاطع، فإنني شخصيا من أنصار ارتفاع معدل الأهداف، ومن عاشقي فن الاستحواذ والمهارات الفردية العالية. لا أحبذ الاحتكاك العنيف، ولا أميل إلى التكتل الدفاعي الممل القاتل؛ لذلك أرى أن أجمل مباريات كرة القدم هي التي تتميز باللعب المفتوح، والهجمات المتبادلة والكرة السريعة. لا أبالغ إن قلت إنها مسألة تنافس ومعركة بين مدرستين، مدرسة القتال في مواجهة مدرسة الفن. مدرسة الدفاع مقابل مدرسة الهجوم، ولم يبالغ ديكسون حين قال: ”فن الدفاع”، ذلك أن للدفاع أيضا فنونا، وليس من السهل أن تدافع بإجادة، لا سيما إن كان مستوى المهاجمين مرتفعا. بالنسبة لكرة القدم السعودية، أرى أنها عانت خلال السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا على مستوى المدافعين، خاصة في وسط الدفاع، وكلما تذكرت الثنائي أحمد جميل ومحمد الخليوي رددت: خسارة! وكذلك الثنائي النعيمة والبيشي. ومن ينسى المدافع الشبابي الفنان إبراهيم تحسين أو عبد الرزاق أبو داود؟ بيد أنني أرى أن الخليوي - يرحمه الله - أفضل مدافع في تاريخ كرة القدم السعودية. في مباراة الهلال مع سيدني، خسر المهاجم ”الزعيم” وانتصر المدافع ”الغشيم”. خسر من قدم عرضا أخاذا بعد أن قدم أجمل فنون الأداء الجذاب من تحرك واستحواذ، وفاز من ظل مدافعا على مدى 60 دقيقة. ولست متجنيا حين أستخدم كلمة ”غشيم”؛ لأنني أعني ضعف المهارة الفردية وجاذبية العرض، والواقع أنني ما زلت مستغربا: كيف فاز سيدني على غوانزو وسيول ثم الهلال؟! سيدني - كما رأيت - ليس أفضل من فرقنا المتوسطة الفيصلي والتعاون والفتح.. لكن هجوم الهلال لم يكن في قمة حضوره الذهني، بينما كان حارس سيدني ودفاعه في قمة الحضور، وبالتالي فإن السؤال لا ينطبق على هذه المباراة وغيرها من المباريات المشابهة. إنها كرة القدم!