من أين أبدأ مرثيتي فيك يا عراق؟ وأي وجع أبكيك وأنت تواجه هولاكو آخر، جاء ليقضي على ما تبقى من ذاكرة عراق أشور وبابل. بالأمس اسودت مياه الفرات بحبر مخطوطات وكتب الدولة العباسية على يد التاتار، واليوم ينهب متحف بغداد وتدمر عشرات التماثيل التي سبقت التاريخ على يد تاتار جدد بمتحف الموصل. جريمة لا تقل بشاعة عن سبي الإيزيديات وتهجير المسيحيين وحرق الكنائس ونسف المساجد. هي الحرب اليوم يقودها هولاكو أمريكا على ذاكرتك وعلى تاريخك الضارب في القدم. أمريكا التي تفتقد للذاكرة وللتاريخ وتضحك على الحضارات وتعتبر آثارها مجرد غبار على الصخور تطلق يد دواعشها اليوم لتدمير ما بقي للعراق من عزة وفخر. من يتذكر صور الدوس على كرامة العراق والعراقيين في أبو غريب؟ مخطئ من يعتقد أن الصور لم تكن جزءا من مخطط تدمير العراق، بل هي دوس على شوارب العراقيين ورسالة واضحة لكل من كان يرفعه فخرا بالهوية العراقية. ضرب متحف الموصل أمس جريمة في حق الذاكرة الإنسانية، لكنه ضرب وتدمير للذاكرة العراقية، إنه فصل جديد تباشره أمريكا ودواعشها وشركاتها الأمنية المشبوهة، فبعد قتل آلاف العلماء وحرق المكتبات وآلاف الكتب وتدمير البنية الاجتماعية ونصب العداء بين أطياف العراق، وبعد تدمير نخيل العراق واحتراق ملايين النخيل من جراء التلوث بأسلحة الدمار الشامل التي جربتها أمريكا في العراق، ها هو الدور على ذاكرة بابل وعلى كل ما يذكر أمريكا بأن شعب العراق عظيم، ما لم يستطيعوا نهبه من تحف لأنه يصعب نقلها وبيعها ونقلها لمتاحفهم مثلما فعل نابليون وبعده بريطانيا بالآثار الفرعونية من مصر والسودان، جاء دور أمريكا، والمصيبة أكبر وأخطر من النهب.. إنه الدمار! ما فائدة أن تصرخ مديرة اليونسكو وتطلب اجتماعا لمجلس الأمن؟ ماذا فعل مجلس الأمن لأضرحة تومبوكتو وللتماثيل الأفغانية؟ لا شيء غير البكاء بعد الدمار. أليس مجلس الأمن الذي استباح العراق؟ أليس مجلس الأمن الذي سكت على جرائم أمريكا؟ ماذا كان ينتظر من تدمير الدول غير استباحة الإنسان فيها واستباحة ثرواتها وعمرانها وذاكرتها؟ مجلس الأمن شريك في كل الجرائم ضد الإنسانية. تأتي مصيبة الموصل المحبطة تزامنا مع أخبار محبطة أخرى، وتعني سخاء حكامنا الأوفياء مع سفاحة البيت الأبيض هيلاري. ويقول الخبر إن الجزائر قدمت هبة لمؤسسة كلينتون قدرها حوالي 5 ملايير سنتيم! موجع خبر كهذا حد الجنون. هم يخططون لتدميرنا ونهب بلداننا وسلب إرادتنا. ونحن نهديهم أرزاق أبنائنا. إنه زمن الذل العربي حتى لا أقول كلاما أكثر مرارة!