بينما تغتال آلاف الكتب في مكتبات بغداد والموصل، وتدمر صفحات مشرقة من الحضارة الإنسانية، يتلهى الغرب المتخم حول ألوان فستان (أزرق وأسود، أم أبيض وذهبي)، في توجيه مفضوح للرأي العام العالمي، وتتفيه لقضايانا المصيرية. ليست خدعة بصرية، بل هي خدعة لشعوب الشرق الأوسط الموعود بالموت والدمار. كتب على باب مكتبه الموصل التي تم حرقها منذ يومين كتابات عبرية، فهل بدأت الدواعش توقع باسمها الحقيقي اليوم، بعدما كانت توقع باسم ابن تيمية وبآيات قرآنية، ناسبة جرمها إلى الإسلام؟! من الصعب تفكيك خيوط المؤامرة وإن كانت تفاصيلها تتضح يوما بعد يوم! بينما الإعلام العالمي الذي تملكه اللوبيات الصهيونية يحاول تفكيك ألوان فستان وتحقق ماركته حملة إشهارية له، بنقل موقع “لوموند جويف” أمس، نقلا عن القناة الثانية والتلفزيون الإسرائيلي، خبرا مفاده أن المملكة العربية السعودية مستعدة لفتح أجوائها أمام الطيران العسكري الإسرائيلي لتوجيه ضربة إلى المشروع النووي الإيراني في أبوشهر، مقابل تنازلات وتحقيق نوع من التقدم في القضية الفلسطينية. وحسب نفس المصدر ونقلا عن مصدر أوروبي تحفظ عن ذكر اسمه، فإن هناك تنسيقا بين المملكة وإسرائيل من أجل منع تحول إيران إلى قوة إقليمية نووية. فالموقف السعودي من شأنه أن يسهل على إسرائيل الضربة المباشرة للمفاعل. تتزامن هذه التسريبات، وتصريحات مفوضة السياسة الخارجية الأوروبية “موغيرني” أن مجموعة 5+1 الأوربية تقترب من اتفاق مع إيران حول النووي، كما أن تصريحات أمريكية أخرى تذهب في نفس الاتجاه، بينما يسعى نتنياهو الذي يستعمل كل الأوراق في حملته الانتخابية إلى زيارة أمريكا رغم معارضة أوباما لهذه الزيارة، ليؤلب الكونغرس على الموقف الأمريكي ويمنع أي اتفاق مع إيران بشأن النووي. لم تفهم المملكة أن علاقتها بإسرائيل بشأن مبادراتها للسلام في فلسطين كمن يبول في الرمل. ألم تستخلص الدرس بعد من الصفعات المتكررة التي تلقتها من إسرائيل؟ بينما عرض الملك الراحل مبادرة لحل الأزمة وإعطاء فرصة للسلام بين إسرائيل وفلسطين، علق نتنياهو أن المبادرة السعودية لا تساوي حتى الحبر الذي كتبت به؟ فمن يضمن أن إسرائيل ستحترم كلمتها وهي التي تراجعت عن كل الاتفاقيات المبرمة وقبرت عملية السلام واتفاق أوسلو، فمن يضمن أنها لن تضحك مرة أخرى على السعودية وتستغل أجواءها وتوجه ضربة لإيران، وضربة أخرى سياسية للسعودية ولن تقدم شيئا كعادتها للقضية الفلسطينية. ثم لماذا تعرقل السعودية تحول إيران إلى قوة إقليمية؟ ألأن الاتفاق الأوروبي الذي قد يتوصل إليه الاتحاد الأوروبي مع إيران سيسمح بإيجاد إطار عمل قد يعالج الكثير من أزمات الشرق الأوسط مثلما تحدثت عنه “وول ستريت جورنال”؟ هل لأن السعودية المتورطة في الأزمة السورية لا تريد انفراجا لهذه الأزمة بعدما بدأت الرياح تتجه إلى وجهة لا تخدم الخيار السعودي، خاصة بعد زيارة برلمانيين فرنسيين إلى سوريا، يوحي بتقارب فرنسي سوري نحو طرح حلول جديدة للأزمة السورية؟ وستكون القضية السورية، إحدى أوراق التفاوض في يد إيران، هي التي تقلق السعودية التي ما زالت مصرة ومتمسكة بالإطاحة بالأسد؟ أن يكون موقف كهذا صادرا من إسرائيل، فهذا أمر طبيعي، لأن وجود إيران قوية في المنطقة تدعم نظاما سوريا معاديا لإسرائيل لن يخدم إسرائيل وحليفتها أمريكا التي تقود حروبا تدميرية في كل المحيط الإسرائيلي، من سوريا إلى العراق إلى لبنان، وحاليا تستهدف إيران وقريبا مصر. أما أن تتآمر المملكة على دولة مسلمة مثلما تآمرت قبل اليوم على العراق وفتحت ترابها للقواعد الأمريكية لضرب العراق، فهذه خيانة أخرى من دولة تريد أن تكون المرجعية الدينية لكل المسلمين بحكم احتضانها للأماكن المقدسة. خيانة لا تغتفر، وعلى المسلمين أن يقفوا ضدها. فكل تقارب مع الدولة الصهيونية هو خيانة لقضايانا وتآمر على مصيرنا؟!