موانئ: سعيود يحث المسؤولين على الاستغلال الأمثل للإمكانات المادية والبشرية والعمل بنظام 24/24ساعة    ورقلة : إبرام اتفاقية تعاون بين جامعة قاصدي مرباح وشركة "سيترام"    افتتاح الدورة العادية ال 46 للمجلس التنفيذي للاتحاد الافريقي بأديس أبابا بمشاركة عطاف    تلمسان/صالون الغرب للإنتاج و التصدير: تصدير حاويات من مسحوق الخروب و مشتقات الزنك    هدنة ملغمة في غزّة    دراجات/ طواف الجزائر 2025: 80 دراجا عند خط الانطلاق بباتنة بعد انسحاب نسيم سعيدي    كرة القدم /كأس افريقيا للأمم 2026/ سيدات: المنتخب الوطني يكثف من تحضيراته    تخصيص 10 ملايير دينار لإنجاز مشاريع تنموية ببرج بوعريريج    أمطار رعدية مرتقبة بولايات الوسط غدا الخميس    علاقة تاريخية بين سوناطراك ومجمع إيطالي    ملتقى وطني حول التشغيل والمقاولاتية في الجزائر    التحديات الأمنية تقتضي تعزيز التعاون    المخزن يتمادى في التطبيع العسكري مع الصهاينة    خطة تهجير الفلسطينيين من غزة "جريمة حرب" بموجب اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي    ربيقة يستقبل وفداً برلمانياً    جريمة العار لا تسقط بالتقادم..    كرة القدم (الجمعية الانتخابية للاتحادية الجزائرية): وليد صادي المرشح الوحيد لخلافة نفسه    وفد عماني في زيارة إلى مجمع "لابال" لبحث فرص الشراكة    مشروع عملاق.. لمستقبل مزدهر    بوغالي يشيد بالدور الرّيادي للدولة    جريمة عنصرية ضد أستاذ جزائري بفرنسا    صحفي اسباني : المغرب لا يريد شهودا على ما يقترفه في الصحراء الغربية المحتلة    الاحتلال الصهيوني يمارس سياسة الإرهاب بحق المحررين وعائلاتهم ضمن صفقات التبادل    وزير الصحة يلتقي بأعضاء النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة للصحة العمومية    ؟!.. فرنسا لم تخرج طواعية    مرسوم رئاسي يخص التأهيل الطبي للخدمة في الجيش    للشباب وللتكوين النوعي دور فعال في البناء المؤسساتي للدولة    الجامعة ساهمت في دعم انخراط المتخرجين في الحياة المهنية    وزارة الفلاحة تطرح أسعار الخضر والفواكه واللحوم    81 دراجا عند خط انطلاق المرحلة الثالثة من سطيف    ضمان وفرة السلع بأسعار معقولة خدمة للموطن    الجزائر ترفض المشاريع الوهمية للعبث بمصير الفلسطينيين    وزير الداخلية يشارك في منتدى إقليمي عربي للحدّ من مخاطر الكوارث    وزير الثقافة يشرف على ورشة عمل اللجنة العلمية المكلفة بتحيين القائمة الإرشادية للتراث العالمي بالجزائر    9آلاف صحفي عبر العالم يشوّهون صورة الجزائر    معلول يودع اتحاد الجزائر بتأهل صعب أمام مقرة    مكتتبو "الترقوي" بغليزان يطالبون بسكناتهم    "الباهية" تواصل إزالة التوسعات العشوائية    لن أعمل مع رونالدو ورحيل نيمار يزعجني    دعوة لتأسيس نقابة حقيقية وجادة    الدفاع هاجس بيتكوفيتش والهجوم سلاح "الخضر"    إيليزي: أكثر من 20 مشاركا في تظاهرة الفن التشكيلي "آزجر"    ياسين حمزة يفوز بالسرعة النهائية    ديوان الحج يُحذّر    وزير الصحة يلتقي بأعضاء النقابة الوطنية الجزائرية للنفسانيين    الجزائر تؤكد وقوفها الثابت إلى جانب المملكة العربية السعودية    وهران: صالح بلعيد يبرز أعمال المجلس الأعلى للغة العربية في مجال الذكاء الاصطناعي    حج 2025: اجتماع تنسيقي لمتابعة ترتيبات برنامج الرحلات الجوية    كتاب جديد عن جرائم فرنسا في الجزائر    الإعلان عن ترتيبات موسم الحج حصريا عبر المصادر الرسمية الموثوقة للديوان الوطني للحج والعمرة    نسخة مترجمة لكتاب الحكومة المؤقتة    فرسٌ تَعثّر فنهض    البروفيسور بلعقروز ينتزع جائزة الدولة للكتاب العربي 2025    هذه ضوابط التفضيل بين الأبناء في العطية    إمام المسجد النبوي يحذّر من جعل الأولياء والصَّالحين واسطة مع اللَّه    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب على الأرض والحرب على الأوهام
نشر في الفجر يوم 10 - 04 - 2015

ما عمل العرب شيئا منذ عام 1973 غير التفاوض، في حين كان أعداؤهم وخصومهم يقاتلونهم على أرضهم وفي أرضهم إجابة على دعواتهم لهم للتفاوض والحوار والمسالمة والمصالحة. ولا يزال المدافعون عن هذه ”المقاربة” السلمية يذكرون لها في القضية الفلسطينية إنجازَين: كامب ديفيد، وأوسلو. وبغض النظر عما يقال عن كامب ديفيد، وعن شروطها القاطعة لمصر عن فلسطين وعن العرب بالمشرق، فإن الاتفاقية لا تزال صامدة. وهذا الأمر لا ينطبق على اتفاقية أوسلو التي أنكرها الإسرائيليون بعد مقتل إسحاق رابين، وأنكرها الفلسطينيون يمينا ويسارا وعلى رأسهم حركتا حماس والجهاد الإسلامي، ودعمت جميع هؤلاء إيران وسوريا في الانفصال بغزة بحجة متابعة النضال!
كانت مقاربة الأنظمة العربية الواقعة على ”الجبهة” بعد كامب ديفيد أن القتال غير ممكن بغياب مصر، ولذلك انتقلت إلى ”الممانعة”، أي عدم إجراء الصلح مع العدو مع استمرار التفاوض معه. أما ”المقاومة” فعهدت بها بالتدريج إلى التنظيمات المسلحة المدعومة من إيران. وهذه التنظيمات الشيعية والمتشيعة التي صار رمزها ”حزب الله”، شأن ”القاعدة” التي صارت عنوانا للتشدد السني، هي جميعا تنظيمات ما تحت الدولة أو ما فوقها. أما متشددو السنّة فلأنهم يريدون استعادة الشرعية بتطبيق الشريعة التي توسع فهمها حتى صارت الدين كله، وأما متشددو الشيعة فلأنهم يقولون بولاية الفقيه، ويريدون إحقاقها بطريقة من الطرق في كل الأماكن التي أرادتهم إيران أن يقاتلوا فيها. ولذا لا ينبغي أن يكون عند أحد منا وهْم بشأن بدئهم أو مآلهم إلى القتال بالداخل، إن لم يكن من أجل الاستيلاء فمن أجل تخريب الأوضاع القائمة في الدول والمجتمعات، وبحجج متنوعة، منها تصحيح العقائد، ومنها تصحيح الشرعيات!
هناك إذن علة أولى لظهور الأصوليات الداخلية والواردة من الخارج، وهي زعم ميليشيات إيرانية، وأخرى متأيرنة بحمل راية فلسطين بعد أن تخلى عنها النظام العربي. وقد تحولت هذه التنظيمات ذات الطبيعة الانشقاقية إلى مقاتلة الداخل، إما لأن إيران أمرتها بذلك مثل حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية... إلخ. وإما لأن المتطرفين السنّة يعتقدون أنه لا بد من تصحيح الأوضاع العربية والإسلامية بإقامة الدولة المهدية، قبل الانطلاق أو مع الانطلاق لمواجهة ”اليهود”!
أما العلة الثانية فهي الانكماش العربي في المسألة الجيو استراتيجية، إذ انصرف كل نظام إلى محاولة حماية نفسه بالانكماش والتحصن بالداخل، وإلى اصطناع التحالفات العملية مع الهيمنة الأميركية، أو إحدى القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا. واعتقد سائر الأنظمة أن ذلك كافٍ للحفاظ على أمنها، واعتبار أن ما يجري خارج حدودها (ولو على حدودها!) هو أمر لا يهمّها ولا يؤثر على استمرار النظام.
والعلة الثالثة استقرار الاعتقاد لدى الجهات الإقليمية والدولية أن العرب ضعفاء، وأنه يمكن الاعتداء على سيادتهم وأمنهم دونما خشية من عواقب، كما يمكن استخدام متشدديهم بطرائق استخباراتية للتخريب بالداخل العربي. وقد أتقن ذلك الإسرائيليون والأميركيون، ثم الإيرانيون، وإلى الأنظمة الأمنية والعسكرية العربية مثل نظام الأسد ونظام القذافي.
ولا يستهِن أحد بالانطباع الذي ساد عن الضعف العربي، فقد صار هذا الانطباع سائدا حتى لدى العرب أنفسهم، وهذا ليس رأيا شعبيا، بل هو اعتقاد لدى بعض المتنفذين في ”دول الطوق”، فقد قال بشار الأسد لحسن نصر الله عام 2007: ”لقد انتصرتم على إسرائيل لأول مرة”! رغم أن أباه كان يعتبر ”حرب تشرين التحريرية” أكبر الحروب على الإطلاق! فالإحساس بالضعف ما كان دائما لمعذرة النفس، بل كان إحساسا حقيقيا بالعجز في كثير من الأحيان، ولدى العسكريين والأمنيين على وجه الخصوص، الذين اقتصرت أعمالهم لثلاثة عقود على قمع ”تمردات” المتطرفين! وما استند هذا الانطباع إلى أقوال السياسيين وتقارير الاستخبارات فقط، بل إلى ردود الأفعال على الاعتداءات الأميركية والإيرانية والإسرائيلية على الأمن العربي والسيادة العربية. فالنظام السوري الذي يضرب على الحدود اللبنانية وبالداخل اللبناني كل يوم تقريبا، ما رد أبدا على عشرات الهجمات التي قام بها الجيش الإسرائيلي على دواخل أرضه خلال السنوات الأخيرة!
ما حقيقة الأمر في هذا التلكؤ العربي عن حماية النفس، وعن الاهتمام بما يتجاوز الأوضاع الداخلية؟ لقد بلغ من هوان الأطراف المسماة ”قومية” و”يسارية” على النفس وعلى الناس أن أعلنت ولاءها لإيران مباشرة أو أعلنت عن ولائها لبشار الأسد وحسن نصر الله. وهذا ليس مقصورا على أصوات في العراق وسوريا ولبنان تدفع لها إيران، بل هناك مثقفون وسياسيون مصريون دخلوا في معاداة السعودية ودول الخليج منذ عقود. وها هو محمد حسنين هيكل وبعد ”عاصفة الحزم” ما غير رأيه وتوجهاته، وظل ”ينصح” بالانحياز لإيران، ولماذا؟ اسمعوا هذه الحجة: لأنها معادية لأميركا، ولأنها قوية واستراتيجية، والعرب ضعفاء وليست لديهم استراتيجية! وفي مؤتمر القمة العربية بشرم الشيخ، أصر إبراهيم الجعفري وزير خارجية العراق على معارضة إنشاء ”قوة عربية مشتركة” مع أن المشاركة فيها اختيارية! ومنذ وقعت ”عاصفة الحزم” انصرف حسن نصر الله ووسائل إعلامه إلى هجمات صارخة على السعودية بالذات، بحجة شفقته على الشعب اليمني، دون أن يحتاج إلى تبرير تدخله في سوريا والذي خلف حتى الآن عشرين ألف قتيل وأكثر، وعشرات الألوف من المهجرين والمصابين!
عن هذا الواقع عبّر الأمير سعود الفيصل في مؤتمر القمة بسرت الليبية عام 2010 بأنه: الخواء الاستراتيجي العربي! والخواء ذو جانبين: جانب غياب الحفاظ والمدافعة، وجانب تكالب الأمم علينا كما يتكالب الذباب على القصعة، وهو ما جاء في الأثر المعروف!
لقد تحدث الجميع طوال أكثر من عشرين عاما عن غياب المشروع وغياب المبادرة، إلى أن جاءت ”عاصفة الحزم” بعد أن كاد اليأس يحل، وتبلغ القلوب الحناجر: الإيرانيون يدمرون المجتمعات والدول في سوريا والعراق واليمن.. ولبنان والبحرين. وإسرائيل لا تتقدم مترا واحدا باتجاه حقوق الفلسطينيين. والتهميش وفقد الثقة ينفجر تطرفا بالدواخل العربية والإسلامية، ومن حول العالم، والإسلاموفوبيا إلى زيادة وشراسة.
إن ”عاصفة الحزم” ليست حربا على الأرض لإنقاذ اليمن وحسب، بل هي أيضا حرب على الوهم القائل إن العرب ضعفاء، وإنهم لا يستحقون أوطانهم أو دولهم أو تاريخهم! وعلى وقعها انعقدت قمة شرم الشيخ، التي جددت الهمم لإصلاح الجامعة وإقدارها، وجددت الهمم أيضا بشأن ليبيا وسوريا والعراق، وجددت الهمم أولا وآخرا بشأن استعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وإقامة القوة العربية المشتركة.
إن الحرب لإنقاذ اليمن هي رمز لاستعادة المشروع العربي، واستعادة المبادرة العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.