الفساد مثل فيروس ”سى” يتسلل متخفيا مثل الشبح، ويتم رصده من الأجسام المضادة المحيطة به، والأهم من اكتشافه أن تنجح الدولة فى توفير العقار الذى يقضى عليه، لأن القصة معقدة وتختلط فيها الثروة بالسلطة، بالنفوذ، بالنفوس الضعيفة، وأياد مرتعشة تخاف من التصدى والمواجهة فينكل بها الفاسدون، وهنا مربط الفرس وأصل الحكاية، وطوابير طويلة من رجال الأعمال يحصدون خيرات الوطن دون دفع حقوق الوطن، بل يبحثون عن المزيد. توحش الفساد ينبع من قوة الفاسدين، فهم يستطيعون شراء الذمم والضمائر والألسنة والأقلام والفضائيات، ويجدون متطوعين وبالأجر يدافعون عنهم ويحاربون معاركهم وينكلون بمن يحاول الاقتراب منهم. فى الأنظمة المنغلقة يعرف الناس أسرار الفساد ويخافون من البوح بها، فتنتشر الشائعات التى تضرب الشرفاء والأبرياء مع الفاسدين والمرتشين، أما فى مصر فالمشكلة عكسية وتنطلق الاتهامات بسرعة الصاروخ وتسير الإجراءات ببطء السلحفاة، فتتحول العدالة من ناجزة إلى مؤجلة، ويأخذ الفاسدون هدنة مريحة يعيدون فيها ترتيب أوراقهم والتلاعب فى أدلة اتهامهم، ويخرجون مثل الشعرة من العجينة كما يقول المثل. والحل: الشفافية التى هى بنت الديمقراطية، والاثنتان لا تُمنحان بالقوانين والإجراءات، وإنما بتهيئة الأجواء لنظام ديمقراطى حقيقى، يكشف ولا يخفى ويتجرأ ولا يخاف، فهل نحن على استعداد، مثلا، لترسيم الحدود بين السلطة والثروة وفض الزواج غير الشرعى بينهما، والاستفادة من تجربة الماضى القريب، حيث كان المكوشون عى خيرات البلد وثمار التنمية فى سنوات حكم الرئيس مبارك، هم أول القافزين من السفينة عندما تعرضت للغرق، وتنقلوا فى سلاسة وبجاحة من حضن الإخوان إلى ميادين 30 يونيو؟ وغيروا هوياتهم وأسماءهم وألسنتهم ووجوههم، جريا وراء السلطة أينما تكون. يقول المثل ”إذا أردت أن تنظف سلم بيتك ابدأ بالدرجات العليا”، يعنى من الكبار وأصحاب المناصب والنفوذ الذين يجب أن يكونوا القدوة والمثل، وأن تطبق القوانين على الملياردير قبل الموظف الغلبان، وأن يكون السادة الوزراء قدوة ومثلا، فلا يتكالبون على دخول البرلمان هم ورجال الأعمال، حتى لا يتم توظيف السلطة لخدمة الثروة، وهى لا تقل خطورة عن توظيف الأديان، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.