لا يُتوقع لعضو الكونغرس الجمهوري سين دافي، الذي كان يوما نجما في تلفزيون الواقع قبل أن يخوض غمار السياسة، أن يحتل أي ترتيب متقدم لتصنيف أفضل الأعضاء بالكونغرس، حتى لو استطاع أن يغطي الفضيحة التي ألمت به في مؤسسة كلينتون. فخلال جلسة استماع عُقدت بالبيت الأبيض مؤخرا، انتابت دافي حالة غضب شديد أثناء مناقشته العلاقة بين هيلاري كلينتون ومؤسسة بوينغ. ”ففي عام 2009. وأثناء زيارتها لروسيا، أبدت هيلاري رأيا مخزيا بقولها إن شركة الطيران الروسية يجب أن تشتري طائرات البوينغ”، حسب إفادة دافي. وأضاف: ”أود أن تشتري كل شركات الطيران طائراتنا الأميركية العظيمة، لكن بالنسبة لكلينتون فقد أدلت بذلك التصريح وهي وزيرة للخارجية. وبعد ذلك في عام 2010 حصلت بوينغ على عقد بقيمة 3.7 مليار دولار، لكن ما حدث بعد ذلك كان مذهلا؛ فقد تبرعت بوينغ بمبلغ 900 مليون دولار لمؤسسة كلينتون”. في هذا الخصوص، علق بيل هويزينغا، عضو جمهوري وزميل لدافي، على ذلك بهدوء قائلا إن التبرع كان بمبلغ 900 ألف دولار، وليس 900 مليون دولار، ورد دافي قائلا: ”شكرا بيل”، من دون تصحيح للرقم. فسواء كان الرقم مليونا أم ألفا لن يختلف الأمر كثيرا. لكن من الصعب تخيل الأسوأ؛ حيث يرى دافي أن تبرعا بقيمة 900 ألف دولار مقدما من شركة بوينغ (إحدى 150 مؤسسة قدمت تبرعات لمؤسسة كلينتون) فعل يرقى لمستوى الفضيحة. إلا أن دافي محق في شيء واحد وهو أنه لم يكن من المفترض أن يكون هناك دخان يوحي بنشوب حريق داخل مؤسسة كلينتون. فالمؤسسة الخيرية الموسعة قد تحصلت على الكثير من المال من مصادر كثيرة، بالشكل الذي يجعلها فعليا تبدو متورطة في عمليات خداع.ماذا عن قضية فساد الفيفا؟ ثبت أن هناك صلة بكلينتون. تجارة السلاح الدولية؟ الكرملين؟ إنتاج اليورانيوم؟ انتهاكات حقوق الإنسان؟ المجرمون المعروفون؟ كلينتون على صلة بكل هؤلاء. أما بالنسبة لاتهام دافي، فالادعاءات غالبا مشكوك في صحتها، ولا تلوم كلينتون وزوجها إلا نفسيهما، بعدما أصبحا عرضة للتورط غير المباشر في كل تلك الأمور، وتسبب ذلك الوضع في جعل تصرفات كلينتون تبدو نشازا بشكل واضح أمام جمهور الناخبين عام 2016. ومع رد الفعل المتصاعد ضد ”وول ستريت” والظلم والصلاحيات المشتراة بالمال، فليس هناك ديمقراطي أقرب للأغنياء والأقوياء من كلينتون. وفي الوقت الذي يحتاج فيه الديمقراطيون إلى عقد المقارنات مع الجمهوريين بدفاعهم عن المستضعفين، فإن استجداء كلينتون وتفضيلها للأقوياء يجعل منها رسولا غير حقيقي. وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة ”نيويورك تايمز” وقناة ”سي بي إس” هذا الأسبوع أن 65 في المائة من الأميركيين يعتقدون أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء مشكلة تحتاج إلى علاج سريع، وأن القلق يساور الديمقراطيين والمستقلين وكذلك الجمهوريين. وبهامش غير متوازن يتراوح بين 74 في المائة و3 في المائة، يرى الأميركان أن للمؤسسات تأثيرا كبيرا على حياة الأميركيين. وهذا في حد ذاته يعطي فرصة طبيعية للديمقراطيين، وهذا ما سوف يحدث إذا لم يكونوا مرتبطين بالأغنياء كما هو الحال بالنسبة للجمهوريين. في العام الماضي، أظهر استطلاع للرأي جرى يوم انتخابات اتحاد العمل الأميركي وكونغرس المنظمات الصناعية أن ”السياسيين، سواء كانوا من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، يبذلون الكثير من الجهد لدعم الوضع المالي في وول ستريت ولا يبذلون الكثير لمساعدة الأميركيين العاديين”.وحسب توثيق صحيفة ”واشنطن بوست”، كانت الجهود الخيرية لمؤسسة كلينتون وثيقة الصلة بالمال الوفير الذين جمعوه لأنفسهم. فقد تلقى بيل كلينتون مبلغ 26 مليون دولار على الأقل، نظير محاضرات ألقاها أمام هيئات قدمت تبرعات مالية سخية لمؤسسته. وكانت المؤسسة كذلك مفيدة لكشوف الموازنة الخاصة بزملاء كلينتون مثل سيدني بلومانتال الذي كان يتقاضى 10 آلاف دولار شهريا من المؤسسة، مقابل تقديم أفكاره عن ليبيا لوزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون. وشكل ذلك الطابور الطويل من المتبرعين للمؤسسة (إضافة إلى هؤلاء الذين دفعوا لكلينتون نظير محاضراتها) مادة خصبة للنقاد وكذلك للإعلام؛ ومثال على ذلك شركة التنقيب عن اليورانيوم التي قدمت المال بسخاء للمؤسسة في الوقت الذي كانت ترتبط فيه الشركة بأعمال معروضة أمام وزارة الخارجية، لتأتي بعد ذلك موافقة وزارة الخارجية على صفقات الأسلحة الخاصة بمتبرعي المؤسسة. وهناك متبرعو المؤسسة الذين مارسوا الضغط على وزارة الخارجية، وهناك عضو المؤسسة الكندي الذي لم يكشف عن هوية المتبرعين للمؤسسة، وهناك موظفو بنك ”كي ستون إكس إل” الذين دفعوا لكلينتون نظير محاضراتها، وهناك الأموال التي دُفعت لضحايا تسونامي، وهناك الشركات الوسيطة غير المعلنة، وصلة شقيق هيلاري كلينتون بشركة ”هايتون” للتنقيب عن الذهب، والمال المقدم من الدول ذات السجل الفقير في مجال حقوق الإنسان والتبرعات التي تلقتها المؤسسة من دولة معينة. إن المشكلة تكمن في الظاهر، فكلينتون تستطيع أن تتكلم كيفما شاءت عن عدم عدالة الدخل وضرورة تقليص نفوذ المال في السياسة، إلا أن تجربتها الأخيرة لا تجعلها تبدو صادقة.