من يريد للفوضى والخراب أن يطولا في ليبيا؟ بل من يريد أن تنسف كل الجهود المبذولة لإيجاد حل لإخراج ليبيا من مأزق العنف الذي غرقت فيه منذ أزيد من أربع سنوات؟ وإلا كيف نقرأ تبعات هذا الحكم بالإعدام رميا بالرصاص، الذي صدر أمس غيابيا، من محكمة طرابلس الجنائية التي لا تعترف بها حكومة طبرق، المعترف بها دوليا، في حق نجل القذافي سيف الإسلام، وحضوريا في حق مدير المخابرات السابق في عهد القذافي عبد الله السنوسي، وآخر رئيس لحكومته محمودي البغدادي، الذي كانت النهضة التونسية سلمته إلى ليبيا مقابل المال مثلما ذكرت وقتها صحف تونسية؟ ما الفرق بين لباس الإعدام البرتقالي عند داعش، والأزرق الذي ظهر به السجناء أمس، أمام محكمة طرابلس؟ لا شيء فالأول يحكم بالإعدام بقطع الرؤوس، والآخر رميا بالرصاص. المحاكمة غير عادلة مثلما وصفها وزير العدل الليبي من حكومة طبرق، الذي دعا إلى عدم الاعتراف بها، مثلما رفضها محامي سيف الإسلام، الذي قال إن أغلب محامي الدفاع لم يحضروا إلى هذه المحاكمة، التي قال عنها وزير العدل إن القضاة أصدروا أحكامهم تحت التهديد بالسلاح والقتل، وهي محاكمة غير قانونية. هذه المحاكمة التي نقلها التلفزيون الليبي مباشرة، الهدف من ورائها ليس فقط إغراق البلاد من جديد في العنف، وإنما أيضا نسف كل مبادرات السلام بين الإخوة الفرقاء في ليبيا. ونسف الحوار، سواء ذلك الذي احتضنته المغرب، أو ما ترتب على جلسات الحوار التي احتضنتها الجزائر مرات متتالية. فالحكم على نجل القذافي ورموز النظام السابق بحكم بهذه الخطورة، يعيد عقارب الساعة إلى نقطة الصفر، ويعصف تحديدا بحوار الجزائر التي كانت وما تزال تصر على أن نجل القذافي ورجاله وقبيلة القذاذفة هي جزء من الحل، بل شرط ضروري لأي حل. حكومة فجر ليبيا الإخوانية بطرابلس وغير الشرعية، تريد بهذا الحكم في حال تنفيذه، وإن كانت فصائل الزنتان المسلحة التي تحتجز سيف الإسلام ترفض تسليمه، قطع الطريق على محكمة الجنايات الدولية، حتى يحاكم سيف الإسلام بها وينجو من الإعدام، لأن الأممالمتحدة ترفض أحكام الإعدام، وهذا ما تريده حكومات الغرب التي أشاعت الفوضى في ليبيا، فهي ترفض أن يمثل نجل القذافي في المحكمة الدولية ويكشف تورط دول في المؤامرة الليبية، ولذلك لم تطالب لا فرنسا ولا أية حكومة أوروبية بتسليم نجل القذافي إلى المحكمة الدولية، بل تريد محاكمات تصدر أحكاما بسفك الدم مثلما “حكمت” على القذافي وسلمته للجماهير الغاضبة تنهش لحمه حيا وميتا ويدفن ومعه أسرار كبيرة. المحاكمة جاءت ليس فقط على الجهود التي تبحث عن حل لإعادة الأمن في ليبيا والمنطقة فحسب، بل أيضا ردا على الجماهير الغاضبة التي لم تعد تخاف الرصاص، وصارت تتظاهر من حيف حاملة الأعلام الخضراء وتهتف مثلما في بداية الانتفاضة “الله.. معمر.. ليبيا وبس”. وفي سرت منذ أسبوع خرجت المئات من النساء يتظاهرن أمام البنك المركزي الليبي رافضات خوصصته. فكم منهم اليوم لم يندم على زمن القذافي والأمن الذي كانت تنعم به ليبيا، أمام الخراب والقتل والتهجير والسجون التي يعاني منها الليبيون كل يوم؟ مستقبل ليبيا زاد غموضا وخطرا بهذا الحكم، الذي يقود البلاد مباشرة إلى حرب أهلية أكثر عنفا من ذي قبل في حالة تنفيذه!