لم تخرج السهرة السابعة من المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية بالجزائر عن نهج سابقاتها، حيث تميزت برقي عازفيها، ومرت إلى عوالم الموسيقى العالمية برموزها الكبيرة وقدمت الفرق المشاركة من هولندا التي تحضر لأول مرة واليابان، روائعا من كلاسيكيات موسيقية عالمية شدت بها الجمهور بقوة في المسرح الوطني الجزائري، ولم تخرج فلسطين هي الاخرى عن النسق مقدمة لوحات موسيقية راقية. قدمت أوركيستر أوتريشتس الطلابي التي تحضر لأول مرة في الحدث الجزائري، معرفة بذلك الجمهور الجزائري ببعض مما تمتلك هولندا من طاقات إبداعية، وأنامل شابة تعزف على كل الآلات الوترية. صعدت الفرقة القادمة من الأراضي المنخفضة التي قادها المايسترو لييك براكي، معرفة الجمهور الحاضر ببعض من روائع الموسيقى الهولندية واختارت له ثماني مقطوعات ثلاثة منها للموسيقي الهولندي أونيكو ويلهيلم فان واسيناير وخمسة أخرى للموسيقي فرانتس شوبيرت، المعروف بكلاسيكياته السيمفونية، ورومنسياته في تأليف مقطوعات البيانو. ليأتي الدور على ”خماسي يوكوهاما السيمفوني” ، الذي ضمن الفرجة عبر عازفات على الكمان ومايسترو على آلة البيانو وبصوت السوبرانو ماريام تماري، أثبتت المجموعة أن الثقافة هي قوة ناعمة في اليابان. وبرعت العازفة هيروكو نيناغوا في مداعبة آلة الكمان وهي المتخرجة حديثا (2014) من جامعة الفنون بطوكيو كطالبة نجيبة للبروفيسور إدوارد غراش. هيروكو عزفت ”سوناتا كمان” للمؤلف أكيرا ميوشي التي ألفها سنة 1954، ليتلحق بها زميلها توشيكي إيسوي الذي برع هو الآخر في ترجمة معزوفة توشيو هوسوكاوا المعاصرة بعنوان ”الرقص والموسيقي للبيانو” إلى غيرها من المعزوفات رفقة عازفة الكمان الثانية ساكي نادابيا. وتميزت السهرة بأنغام مضبوطة كعقارب الساعة والفنانين بدوا منضبطين بشكل ملفت للانتباه، التعامل مع آلة الكمان بدا جليا أنه مدروس ومتقن، دون الإخلال بالنعومة المطلوبة في هذا التعبير الفني، الذي يناجي الروح، ويشق إلى القلوب دروبا سريعة مضيئة. ولعل صوت السوبرانو ماريام تماري، المزدوجة الجنسية يابانية وفلسطينية، هي الميزة التي منحت الطبق الياباني نكهة مميزة، سريعا ما نال اعجاب القاعة، فأصغت بحب لصوت ماريام الذي لم يخلو من بحة مشرقية وتوازن رهيب، فكان صوتا. وقد غنت السوبرانو برنامجا مختلطا بين الريبتوار الياباني التقليدي مثل ”ساكورا ساكورا” إضافة إلى نغمتين باللغة الفرنسية ”ليال من النجوم” و”حبنا”، ومقطع من أوبيرات ”روميو و جوليات”، ناهيك عن نصوص ايطالية شهيرة. وعن مشاركة اليابان قال عازف البيانو الياباني توشيكي أوسوي أن المهرجان يتطور من سنة إلى أخرى ويرتقي نحو أفق الإحترافية والعالمية، مضيفا بأن يشارك للمرة السادسة في فعاليات المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية بالجزائر، والتي اعتبرها فرصة للقاء والتحاور بلغة الموسيقى. وأحيت الأوركسترا السيمفونية التونسية بقيادة المايسترو حافظ مقني عرضاً موسيقيا، وهي التي حلّت ضيف شرف على دورتها السابعة. وقدّمت الأوركسترا للجمهور الذي غصّت به جنبات مبنى بشطارزي باقة من المعزوفات المختارة من المدونة السمفونية التونسية؛ من بينها معزوفة ”رقصات رومانية” لمحمد مقني و”ليلة أندلسية” لقدّور الصرارفي، بالإضافة الى تقديم مقاطع من أوبرا ”السيّدة الإيطالية في الجزائر” للموسيقار الإيطالي جواكينو روسيني (1792 – 1868) التي أنجزها سنة 1813 تكريماً للجزائر. وتأسّست الأوركسترا السيمفونية التونسية سنة 1969 من قبل وزارة الثقافة؛ حيث عُين الفرنسي جون بول نيكولي أول مدير لها بين سنتي 1969 و1978 ليستلم بعدها المايسترو أحمد عاشور إدارتها من سنة 1979 إلى 2011. وعين مؤخرا حافظ مقني كمدير موسيقي لها، منتهجا مسارا فنيا جديدا لهذه المؤسسة. تتكون الأوركسترا السيمفونية التونسية من أكثر من 50 موسيقي من مختلف أنحاء البلاد، ولها عدة مشاريع فنية في طريق الانجاز مع أوركسترا الجزائر ومالطة وجمهورية التشيك. بالإضافة إلى الربرتوار العالمي، تقدم الأوركسترا السيمفونية أعمال مؤلفين تونسيين أمثال محمد مقني، واناس خليجان، سليم عربي ورضا شماخ، وغيرهم. أما حافظ مقني، فهو من مواليد 1963 بصفاقس. بدأ دراسته لآلة الكمان بالكونسرفتوار الوطني لتونس وعمره 7 سنوات. حاصل على شهادة في الموسيقى العربية، الجائزة الأولى في العزف على آلة الكمان وعلى ماجستير في الموسيقى وكذا شهادة دكتوراه في الموسيقى وعلم الموسيقى من جامعة باريس 4- السوربون. عضو بالأوركسترا السمفونية التونسية من 1979 إلى 1986، يغادرها لتأسيس أوركسترا الغرفة لتونس والأوركسترا السيمفوني المدرسي والجامعي، حييث قدم معهما العديد من الحفلات في تونس والخارج. وبعد حياة مهنية طويلة كمدرس موسيقى في المدارس الثانوية ومساعد باحث بجامعة منوبة، عين في جويلية 2012 مديرا وقائد للأوركسترا السيمفونية التونسية. وبعد نهاية الحفل أشارت سفيرة هونلدا في الجزائر أن مشاركة هولندا للمرة الأولى، أتت متأخرة قليلا، لكن الفرقة التي شاركت أكدت لنا أنها كانت ممتعة وجميلة ومثمرة لهم، وأضافت السفيرة أن على المنظمين الحفاظ عليه وتقديم الأفضل لهذا الجمهور الذواق. وعن النشاطات الثقافية القادمة لدولة هولندابالجزائر أشارت المتحدثة أنها ستشارك في خلال الشهر القادم بمعرض في إطاع قسنطيمة عاصمة الثقافة العربية والذي سيكون في مجموعة من المخطوطات العربية القيمة والتي تتواجد في الكثير من الجامعات الهولندية والمكتبات العمومية، هذه المخطوطات جمعت عن طريق باحثين. من جهتها تحدثت العازفة الهونلدية الشابة، جوت كويلدر، عن مشاركة فرقتها في المهرجان والتي مثلت هولندا لأول مرة منذ انطلاق المهرجان سنة 2008 بالقول أن هذه المشاركة شرف كبير لهولندا في الجزائر، لكن الشرف الأكبر العزف في هذا المهرجان الرائع. وأضافت المتحدثة أن ”أفراد الفرقة يأملون أن يعودوا في الطبعة الثامنة من المهرجان، حيث إنبهر الجميع بالجمهور الجزائري المميز، وتلك القاعة الجميلة التي تساعد كثير في العمل الموسيقى والتفاعل مع الجمهور ”. وعن أهمية مثل تلك المهرجانات تقول الشابة الهولندية المتخرجة من معهد أمستردام للموسيقى أن العدد الهائل من البلدان والفرق المشاركة في المهرجان تساعد الموسيقيين الشباب (مثلنا) للتعرف على التجارب الأخرى.