واضح أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يسعى جدياً لتطوير جيش بلاده وتقويته وتحديثه، إلى درجة يبدو فيها كأنه في سباق يحفزه على ضرورة القفز إلى ترتيب الجيش المصري بين الجيوش الكبرى في العالم. وكأن السيسي تخطى مرحلة الحماسة الوطنية إلى الاقتناع الكامل بأن حفاظ مصر على حدودها وتماسك شعبها وسط الأمواج المتلاطمة للأحداث من حولها وأضرار شظايا الربيع العربي التي أطاحت دولاً وقسمت أخرى وأسقطت جيوشاً ودولاً، مرهون بالوصول بالجيش إلى مرحلة تمنع دولاً وجهات وتنظيمات من التفكير في مواجهته. قد يسأل البعض كيف ذلك والأمر يحتاج إلى نفقات وأموال، والبلد يعاني اقتصاداً مريضاً بفعل فساد استمر عقوداً، وركوداً بفعل ما جرى في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، واهتراء نتيجة حكم جماعة ”الإخوان المسلمين” البلدَ لسنة كاملة؟ تبدو الإجابة واضحة في رد فعل الشارع في مصر على خطوات تطوير الجيش وتحديثه، وكلها إيجابية. دعك هنا من ردود فعل ”الإخوان” والقوى المتحالفة معهم، والفضائيات والصحف الموالية للجماعة والدول المتعاطفة معها، فكل ذلك إيجابي في مصر، لكنه بالنسبة إلى هؤلاء حدث سلبي يحطم الأمل لديهم بعودة الجماعة إلى المشهد السياسي. برنامج السيسي في تنويع مصادر تسليح الجيش المصري مُعلن ومعروف للجميع، ويبدو الرجل كأنه أراد تفادي سلبيات تجربتي عبدالناصر مع الاتحاد السوفياتي والسادات مع الأميركيين من دون أن يخسر روسيا والولايات المتحدة. مؤكد أن بعض تفاصيل برنامج تسليح الجيش لم تُعلن بعد، لكن أهم الصفقات المعلنة التي وقعتها مصر منذ ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 كانت مع الجانب الفرنسي، إذ وقعت مصر وفرنسا في تشرين الأول (أكتوبر) الجاري عقد شراء حاملتي طائرات مروحية من طراز ”ميسترال” لتملك مصر للمرة الأولى حاملات طائرات. ووقع البلدان في شباط (فبراير) الماضي، صفقة شراء 24 طائرة مقاتلة من طراز ”رافال” وفرقاطتين بحريتين مقاتلتين من طراز ”فريم”. أما التسليح الروسي فتجدر الإشارة إلى أن غالبية صفقات السلاح المصرية الروسية غير معلنة، لكن شركات سلاح روسية قالت أن البلدين وقعا عقداً لتوريد 12 مقاتلة من الجيل الرابع من المقاتلة الجوية الحديثة ”سو 30 كا” من عائلة ”سوخوي”، إضافة إلى أنظمة دفاع جوي وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات وأخرى مضادة للسفن. في المقابل، علقت واشنطن جزءاً من المساعدات العسكرية المقدمة إلى القاهرة التي تقدر ب1.3 بليون دولار، في تشرين الأول 2013 رداً على عزل مرسي، لكن التعليق انتهى تدريجياً. وفي نيسان (أبريل) 2014، أعلنت واشنطن إنهاء تعليق تسليم مصر طائرات ”أباتشي” الهجومية، وفي كانون الأول (ديسمبر) 2014، تسلمت مصر 10 طائرات أباتشي. في آذار (مارس) الماضي، أعلن الرئيس باراك أوباما إنهاء تعليق المساعدات العسكرية لمصر، وفي آب (أغسطس) الماضي تسلمت القاهرة 8 طائرات من طراز ”إف 16 بلوك 52” ضمن المعونة العسكرية المقدمة إلى مصر. وتسلمت مصر أيضاً في آب الماضي، 5 أبراج لدبابات ”أبرامز إم 1 إيه 1” التي تُنتج بتعاون مصري - أميركي مشترك في مصنع عند أطراف القاهرة، وبعد ذلك تسلمت القاهرة 14 برجاً إضافياً للدبابات. ليس سراً أن مسألة الصفقات العسكرية تتأثر بالأوضاع والعلاقات السياسية، كما أن فيها مقداراً غير قليل من الحساسية، ويحسب للسيسي أنه تجاوز المشاكل مع واشنطن ونجح في تأمين ما كان متفقاً عليه، وفي الوقت نفسه امتص غضب الأميركيين عندما اتجه نحو روسيا وفرنسا، ومؤكد أن الجيش المصري يستخدم مقداراً من عتاده وأجهزته في حربه الضروس ضد الإرهاب في سيناء، لكن دراسة أنواع وطبيعة الأسلحة التي يتعاقد عليها الجيش المصري، تكشف عزم القيادة المصرية وإصرارها على أن تتجاوز قدرات الجيش مواجهة الإرهاب في الشرق أو الغرب من الحدود والوصول به ليكون جزءاً من قوة إقليمية كبرى. المغزى هنا أن المصريين أدركوا تماماً بعد الربيع العربي أن جيشهم حفظ دولتهم وأن الإنفاق عليه لا يعد إسرافاً وصرفاً في غير محله، وأن أخطار المستقبل تجعلهم يضعون تقوية الجيش في مقدم أولوياتهم تماماً كما رغيف الخبز.