نجحت مساء الجمعة الماضي غارة جوية استهدفت اجتماعاً لقيادات ”جيش الإسلام”، أحد أكبر فصائل المعارضة العسكرية للنظام السوري. قُتل في هذه الغارة قائد هذا التنظيم زهران علوش، ألد خصوم النظام السوري، وخمسة من مساعديه، أي أن ستة من قيادات الصف الأول للتنظيم تمت تصفيتهم بضربة واحدة. وتجمع المصادر على أن هذه تمثل ضربة موجعة ليس فقط ل ”جيش الإسلام” بل للمعارضة العسكرية التي جعلت من إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد هدفها الأول. والحقيقة أن استهداف علوش وتنظيمه لم يكن بحد ذاته مفاجأة غير متوقعة، لكن توقيت الاستهداف لا يمكن إلا أن يكون كذلك، فهو يأتي بعد أن تبنى ”جيش الإسلام” مع فصائل عسكرية أخرى مسار الحل السياسي في سورية، وبعد مشاركة هذا التنظيم في مؤتمر موسع للمعارضة السورية عُقد في الرياض في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، وتبنى خيار الحل السياسي عبر التفاوض مع النظام. في سياق التوقيت ذاته، يأتي استهداف علوش وتنظيمه متكاملاً مع موقف روسيا من مؤتمر الرياض تحديداً، فموسكو رفضت النتائج التي توصل إليها المؤتمر، واعتبرت أنه لا يمثل كل أطياف المعارضة السورية. لماذا؟ ينقل موقع ”روسيا اليوم” عن وزارة الخارجية الروسية قولها: ”لا نستطيع الموافقة على محاولة هذه الجماعة (قوى المعارضة في مؤتمر الرياض) احتكار حق التحدث باسم المعارضة السورية بأكملها”، وهو ما يعني أن لدى روسيا قائمة أخرى للمعارضة السورية ترى ضرورة أن تكون ممثلة في الوفد الذي يفترض أن يتفاوض مع النظام للتوصل إلى الحل السياسي المنشود. ومن القوى التي تضمها هذه القائمة الروسية، وفق الموقع ذاته: ”الجبهة للتغيير والتحرير”، و ”هيئة العمل الوطني”، و ”الجبهة السورية”، و ”حركة التجمع العددي”، و ”حزب الشباب السوري”، و ”المؤتمر الوطني السوري”، فضلاً عن شخصيات ممثلة للمجتمع المدني والعشائر. تعرف روسيا أن هذه القوى ليست معارضة حقيقية بقدر ما أنها من اختراع ودعم النظام، في محاولة منه للاحتماء بظلها تحت مسمى المعارضة، ولإحداث شيء من التوازن مع قوى المعارضة الحقيقية التي تقاتله في الميادين العسكرية والسياسية. قبل ذلك، ودائماً في سياق الاستهداف ذاته، كانت روسيا وضعت اسم ”جيش الإسلام” ضمن 22 تنظيماً كي يشملهم الأردن في قائمة التنظيمات الإرهابية التي كلفته بإعدادها ”المجموعة الدولية لدعم سورية”. تشير هذه المعطيات إلى أمرين، الأول أن روسيا تتبنى في هذه المرحلة موقف النظام السوري من مسألة الحل السياسي، ومن ينبغي أن يشارك في هذا الحل. وهذا واضح من حقيقة أن الضربات الجوية لا تستهدف في غالبيتها التنظيمات المُجمع إقليمياً ودولياً على أنها تنظيمات إرهابية، خصوصاً تنظيم ”الدولة الإسلامية” (داعش)، و ”جبهة النصرة”. على العكس من ذلك، تستهدف روسيا بهذه الضربات الفصائل العسكرية المعادية للنظام، التي تجعل من إسقاطه هدفاً لا يمكن من دونه، كما تقول، التوصل إلى حل نهائي للصراع في سورية. لا أحد يعرف على وجه التحديد لماذا تتخذ موسكو هذا الموقف. يقال إنها تهدف إلى إضعاف، والأفضل إخراج مجموعات الإسلام السياسي من المشهد السوري. وذلك أملاً بدعم القوى السورية المدنية في مسار الحل المنشود، وأن تتولى هذه القوى في نهاية المطاف، وليس جماعات الإسلام السياسي، زمام الأمور في سورية. السؤال في هذه الحال: إذا كان هذا ما تصبو إليه روسيا بعد تدخلها العسكري وإمساكها بالملف السوري، فلماذا تتمسك بالأسد وتوظف مجهودها العسكري في سورية لإضعاف خصوم النظام، من إسلاميين وغيرهم، وإبعادهم من المشاركة في خيار الحل السياسي؟ بدل ذلك تصر على مشاركة قوى معارضة تعرف قبل غيرها أنهم معارضة مصطنعة لتسويق النظام، وليس أكثر من ذلك. هل حقاً أن ما تريده موسكو إعادة إنتاج النظام؟ هذا ضرب من الغباء السياسي. الأمر الثاني الذي تشير إليه المعطيات السابقة، هو أن اغتيال علوش ورفقائه ضربة موجهة ليس فقط إلى التنظيم وقيادته، بل موجهة إلى مؤتمر المعارضة في الرياض ونتائجه، رغم أنه مؤتمر استبعد التنظيمات المُجمع على أنها إرهابية، كما استبعد المعارضة المفصلة على مقاس النظام. من الواضح أن جهود روسيا لاستبعاد قوى معارضة عسكرية معينة تواجه معارضة إقليمية ودولية. فالولايات المتحدة تعتبر ”جيش الإسلام” و ”أحرار الشام” ضمن المعارضة المشروعة. يتطابق هذا الموقف الأميركي مع الموقف السعودي، ومع مواقف كل الدول التي دعمت نتائج مؤتمر الرياض، خصوصاً قطروتركيا. حاولت روسيا تليين الموقف القطري من هذا الموضوع بعد تأكدها من صلابة الموقف السعودي وانهيار علاقتها مع تركيا، لكن تبين التناقض الحاد بين الطرفين، خصوصاً حيال مستقبل الأسد وقائمة التنظيمات الإرهابية. تقول موسكو إنها توصلت مع واشنطن إلى تفاهم على قائمة التنظيمات الإرهابية التي ينبغي استبعادها، لكنها لم تعلن هذه القائمة. ولم يرشح من واشنطن شيء عما تقوله موسكو عن الموضوع. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن موسكو ماضية في مخططها في سورية، لكنها لا تريد الاصطدام مع الرياض بعد تطور العلاقة بينهما أخيراً، وتحاول في الوقت نفسه تفادي خصومة معلنة مع واشنطن حتى لا تستفزها في هذه اللحظة الحرجة. هي متمسكة بتقوية النظام السوري في وجه معارضيه، لكنها لا تلقى تعاوناً إقليمياً أو دولياً في ذلك. لذا اختارت توجيه ضرباتها إلى المعارضة العسكرية تحت غطاء محاربة الإرهاب. كانت الرياض تأمل في أن كسب تنظيمات معارضة عسكرية لخيار الحل السياسي يعطيها ليس فقط مكاناً في هذا الخيار، بل غطاء سياسياً يحميها ويشجعها على المضي فيه. لكن موسكو لا تنظر إلى الموضوع من الزاوية ذاتها. أرادت توجيه ضربة إلى مؤتمر الرياض، وتركت تنفيذ هذه الضربة للنظام السوري، كما تركت له إعلان ذلك. ولأن قدرة النظام السوري الاستخباراتية ضعفت في شكل كبير بعد الثورة، فالأرجح أن موسكو هي من تولى تزويده بمكان اجتماع قيادات ”جيش الإسلام” وتوقيته لتصفيتها. وهنا تكون حققت هدفها، مؤملة بأن يبدو الأمر وكأن علوش ورفقاءه قضوا في معمعة الحرب الأهلية، وأن لا علاقة لموسكو بذلك. وإذا ثبت أن هذا ما حصل، فإنه يعني توغل الدور الروسي كطرف ”مافياوي” في الحرب الأهلية، الأمر الذي سيفشل مسار فيينا كما ساهمت روسيا في إفشال مسار جنيف، وبالتالي استمرار النزف السوري الذي تقول موسكو إنها جاءت لوضع حد له. لماذا تتصرف روسيا على هذا النحو؟ لأنها جعلت من تقوية الأسد، ولو مرحلياً، شرطاً لدورها الجديد في سورية. لم تدرك أنها بهذا الشرط تصطدم مع الجميع، سورياً وإقليمياً ودولياً، وبالتالي تزيد من ضعف الأسد وضعف موقفها هي أيضاً. لكن، كيف يمكن إقناع الثور الروسي بأن الذي أمامه عنتر؟ قبل بوتين فشل العالم في إقناع جورج بوش الابن بذلك في العراق.