باتت ملفات الضرب والجرح العمدي بسلاح أبيض محظور تتصدر مقدّمة القضايا التي تعالجها مختلف المحاكم بالعاصمة، حيث يتفنّن المجرمون والمسبوقون قضائيا في استعمال أخطر الأسلحة البيضاء والآلات الحادة في الاعتداء على الأبرياء، مسّببين لهم تشوّهات وعاهات مستديمة تؤثّر سلبا على حياتهم. تبقى النُدبة مرسومة على أجساد الضحايا، خاصة في الوجه، وتجعل المجتمع يعتقد أنهم منحرفون وذوو سلوك عدواني، ولنا عينة من المحاكم تصوّر بشاعة مرتكبي الجرائم الذين ينفذون اعتداءاتهم وجرائمهم بدم بارد وباستعمال كل وسائل الجريمة. ومن خلال تواجدنا بمحاكم العاصمة لتغطية الجلسات انتقينا لكم بعض الأمثلة عن هذه الحالات..
خلاف حول سيجارة يتسبب لعروس في عاهة مستديمة أقدم شاب في عقده الثالث على طعن زوجة أخيه على مستوى الفخذ الأيسر، عندما ضبطها في المطبخ وهي تدخّن سيجارة، لينهال عليها بالضرب مخلّفا لها كدمات وآثار خنق على جسمها، وسبّب لها عجزا عن العمل مدّته 12 يوما. ودفاعا عن نفسها أشهرت سلاحا أبيض في وجهه وعندما حاول نزعه من يدها أصابت يده بجروح وتوجْهت الطعنة نحو فخذها الأيسر. المتّهم أكّد أن زوجة أخيه تختلق المشاكل منذ دخول أخيه إلى السجن، مضيفا أنها أصابت رجلها بالسكين عندما حاول أن يفكّه من يدها، معترفا أنه انهال عليها بالضرب عندما وجدها تدخن سيجارة في مسكنها.
مؤذّن يقع ضحية اعتداء ب"بوشية" تعرّض مؤذّن متطوّع بأحد المساجد بالعاصمة إلى اعتداء بواسطة "بوشية" وسيف من طرف شاب مسبوق قضائيا، بعدما توجّه إليه الضحية بتاريخ الوقائع إلى مسكنه وطلب منه أن يكّف على التصرفات اللاأخلاقية التي كان يمارسها داخل منزله، والذي حوّله إلى وكر للدعارة. إضافة إلى ذلك كان المتّهم يستقبل الفتيات في ساعات متأخّرة من الليل وسط صوت الموسيقي الذي كان يدوّي بالحي، وهذا ما أثار سخط السكان وتذمّرهم جراء تلك الأفعال، الأمر الذي دفع المؤذن إلى التدخل ونصح المسبوق قضائيا بكف الأذى عن الناس وإزعاجهم بصوت الموسيقى، غير أن هذا الأخير لم يقبل ذلك بل وقام بالاعتداء على المؤذن بأسلحة بيضاء محظورة.
مغتربة تفقد بصرها بواسطة روح الملح على يد فتاة ووالدتها تورّطت شابة في عقدها الثاني ووالدتها التي تبلغ 63 سنة من العمر في جنحة الضرب والجرح العمدي، راحت ضحيتها مغتربة قدمت إلى مسكن أختها بالعاصمة من أجل قضاء العطلة، إذ قامت المتّهمتان بنشر الغسيل من النافذة، الأمر الذي أثار حفيظة الجارة، حيث نشبت بينهما مناوشات كلامية امتدّت إلى مشادات عنيفة، وقامت المتهمتان حينها برش سائل روح الملح على المغتربة وشدّها من الشعر بمجرد أن طلبت منهما الكف عن رش الماء، وتسبّبا للضحية في عجز عن العمل قدّره الطبيب الشرعي ب21 يوما، وترتّب عنه نقص في البصر الذي نزل إلى 2 من 10 على مستوى العين اليسرى.
أشقاء يحاولون فقأ عين محامي خلال دخوله مسكنه كثيرا ما يتعرّض المحامون إلى اعتداءات من قبل أهالي المحبوسين أثناء لقائهم بالشارع، حيث سبق لمحامي أن تعرّض إلى طعنة بواسطة سكين في رجله، مباشرة عقب خروجه من محكمة عبان رمضان بعدما رافع في إحدى القضايا. وفي قضية أخرى اعتدى ثلاثة أشقاء على محام ووالدته، حين قدم الأخير إلى شقته المتواجدة بعمارة المتهمين نفسها، وبمجرد دخوله العمارة التقى بأحد المتّهمين في القضية الذي اعتدى عليه بالضرب، ووجه له ضربة رأسية نحو العين ثم أحضر عصا خشبية وانهال عليه بالضرب إلى جانب شقيقه، ولم يكتفيا بذلك بل راحا يطلقان عليه وابلا من عبارات السب والشتم. أما شقيقتهما فاعتدت هي الأخرى على والدة المحامي، حيث شدت شعرها ومزّقت ملابسها ورمت أغراضها، كما قاموا بمنع المحامي ووالدته من دخول شقته التي اشتراها بعقد بيع محرّر من الموثّق.
حامل تقع ضحية اعتداء خلال التحرش بها جنسيا تعرّضت سيدة حامل في عقدها الثالث إلى المعاكسة والتحرّش ومحاولة السرقة بالعنف والضرب بالعاصمة، من طرف شاب موظّف بشركة وطنية، حين كانت الضحية بساحة البريد المركزي، حيث تفاجأت بالمتهم يلاحقها ويعاكسها وكان يحاول سرقتها، وطلبت منه أن يكفّ عن ملاحقتها كونها سيدة متزوّجة وحامل في الشهر السادس، وبعد رفضها لطلبه قام بالتعدي عليها وضربها إلى غاية سقوطها أرضا وأصيبت بجروح في وجهها. وبعد الحادثة توجّهت إلى أقرب مركز شرطة وأودعت شكوى ضده، ليتم القبض عليه، وبموجب ذلك حول على التحقيق القضائي عن تهمة الضرب والجرح العمدي.
مسؤول يقذف موظفة بحامل الأقلام لم تصبح قضايا الضرب الجرح والعمدي تقتصر على المسبوقين قضائيا والمجرمين فقط المعروفين بسلوكاتهم العدوانية بسبب قبوعهم لفترات طويلة بالمؤسسات العقابية، بل تعدّت إلى المسؤولين والإطارات، حيث قيّدت موظفة شكوى أمام محكمة بئرمرادرايس ضد مسؤولها، وهو نائب مدير إدارة الموارد البشرية بوزارة المالية، تتّهمه فيها بالاعتداء عليها بالضرب داخل مقر الوزارة، حينما طلبت منه تحرير شهادة عمل من أجل تقديمها في ملف طلب سكن، مؤكدة أنه بتاريخ الوقائع قام بضربها في ظهرها مستعملا حامل الأقلام ونزل عليها بعبارات الشتم، قبل أن يحاول إخراجها من مكتبه بالعنف، لتوجّه له تهمة السب والضرب والجرح العمدي. ولدى استجواب المتهم صرّح أن الضحية هي التي قامت بتخريب مكتبه بمجرد أن أخبرها أنه ليس المسؤول عن تقديم شهادة العمل.
العقوبات المخفّفة ساهمت في تنامي العنف بشتى أنواعه تعرف أروقة المحاكم في الآونة الأخيرة ارتفاعا رهيبا في قضايا استعمال الأسلحة البيضاء بمختلف أشكالها وأحجامها من سيوف وخناجر وسكاكين.. الخ، خاصة بين الشبان، والتي تعدّ مؤشرا خطيرا في تنامي الجريمة وسط المجتمع الجزائري.. حيث أكد أخصائيون إجتماعيون أنّ تنامي الظاهرة في مجتمعنا ساهم في تطوير وتنمية مفهوم العنف بشتى أنواعه، داعين إلى «أنّه يجب تسليط الضوء على كيفية توصّل الفرد إلى حمل السلاح، ما يعني أنّ هناك عنف وهناك أسباب عديدة ساهمت في تنامي هذا الأخير، وانتقل إلى مختلف الأماكن من أماكن العمل والشارع وصولا إلى ساحات المدارس والثانويات، ما يعكس أنّ العنف تأصّل في مجتمعنا بسبب تغذية أسبابه المتعددة، ناهيك عن التلاعب القضائي بسبب تلك العقوبات الخفيفة التي يسلّطها القانون على مقترف الجرم وحامل السلاح الأبيض، فهذه الأخيرة تساهم في خلق الجريمة في المجتمع الذي يعدّ أول المتضرّرين في الوقت ذاته». وشدّد مختصون على «ضرورة فرض عقوبات صارمة للحد من خطورة الظاهرة التي أصبحت تهدد كافة فئات المجتمع في كل الأماكن». مسلطين الضوء على أهمية دور المجتمع ومؤسساته في عملية التوعية ممثلا في وسائل الإعلام والمدارس والجامعات وغيرها من أماكن تجمعات الشباب، حيث يجب على كل هذه الهيئات والمؤسسات الاجتماعية تنظيم حملات وبرامج توعوية توضّح مخاطر حمل تلك الأسلحة البيضاء، بالإضافة إلى تكاثف الجهود بأسلاك الأمن، لتجريد حمل الأسلحة وتحميل المسؤولية للأولياء الذين يملكون أسلحة من الأحجام الكبيرة ويسمحون لأبنائهم بحملها والتجوّل بها في الشارع. كما شدّدوا على ضرورة تنظيم حملات إعلامية توعوية مكثّفة في كل الأماكن التي تضمّ الشباب، انطلاقا من الدور الكبير الذي يقوم به الإعلام، لما له من قدرة في التأثير على كافة اتجاهات الرأي العام. سامية.ح
تختلف عقوبتها حسب درجة ومدة عجز الضحية عقوبة الضرب والجرح العمدي بسلاح أبيض تصل إلى 10 سنوات حبسا
أصبحت قضايا الضرب والجرح العمدي بسلاح أبيض تحتلّ الصدارة في قائمة القضايا المطروحة على المحاكم الجزائرية، حسب ما أكّده المحامي بوترعة إبراهيم، الذي أوضح أنّ المشرّع الجزائري لا يتساهل في مثل هذه الجريمة مع مرتكبها مهما كان سنه أو جنسه. ويجب أن تتمثّل هذه الأفعال في عمل مادي وإيجابي وقد اشترط المشرّع الجزائري في المادة 266 من قانون العقوبات توافر إحدى الظروف المشدّدة، وهي سبق الإصرار أو الترصد أو حمل السلاح للمعاقبة على الجريمة بوصفها جنحة. وتختلف العقوبة حسب درجة العجز، حيث في حال نتج عنها عجز لا يزيد عن 15 يوما يعاقب المتهم من 10 أيام إلى شهرين حبسا نافذا وغرامة مالية من 8 آلاف إلى 16 ألف دج أوإحدى العقوبتين، وإذا كان مع سبق الإصرار والترصد وحمل سلاح أبيض تكون العقوبة من سنتين إلى 10 سنوات حبسا، حسب المادة 266 من قانون العقوبات. وفي حال تجاوزت مدة العجز15 يوما، وحسب المادة 264، يعاقب المتهم من سنة إلى 5 سنوات حبسا، في حين تكون العقوبة من 5 إلى 10 سنوات إذا كانت الجريمة مع سبق الإصرار والترصّد. كما أن الجنحة قد تكيّف على أساس جناية تصل عقوبتها إلى 20 سنة إذا تسبّب الفاعل في عاهة مستديمة للضحية أو تسبّب في الوفاة دون قصد إحداثها.