l عبد الرحمن ميراوي:”الحمام كان مقصد الحاج العنقا، روجي آلان، وروبرت كاستال، وأصبح خاصا بالنساء منذ 1984” تعتبر الحمامات التاريخية جزءا من الإرث المحلي لمدينة الجزائر، والتي تشهد على النظام الاجتماعي المتقدم الذي كان سائدا. ليكون ”حمام بوشلاغم” واحدا من أقدم الحمامات بالقصبة الأثرية، والذي مازال يزاول نشاطه إلى اليوم، ليكون مشروع إعادة ترميمه بالمواصفات الأصلية في المستقبل القريب.
تنقلت ”الفجر” إلى القصبة السفلى التي يتواجد بها واحد من أقدم الحمامات التاريخية، وعلى بعد أمتار من ضريح الولي الصالح سيدي عبد الرحمن الثعالبي، وتحديدا جنب ملحقة بلدية القصبة، لايزال شامخا وصامدا أمام التحولات التي مست الناحية، وهو حمام ”بوشلاغم” الأثري الذي حاصرته بنايات تعود للفترة الاستعمارية الفرنسية. وعبر الحوار الذي جمعنا مع مالكه ومسيره عبد الرحمن ميراوي رفقة المؤرخ والمختص في تاريخ القصبة محمد بن مدور، قال ميراوي:”في البداية كان يعتلي الحمام بيت العائلة القديم مثل بيوت القصبة المعروفة، قبل أن يتم تدمير البيت من قبل المستعمر لتشييد عمارة. كما أن الحمام كان يحتوي الرخام القديم، لكن بعد أن توليت تسييره قمت باستبدال الرخام الأصلي برخام حديث بسبب جهلي بالجانب التاريخي، مثل الرخام الذي يحتوي رمز ”القرنفلة” المعروفة لدى سكان بني مزغنة”، مضيفا ميراوي في قوله:”أنا بصدد إعادة ترميم الحمام بمواد بناء أصلية استعملت في زمن تأسيسه، استنادا إلى نصائح المؤرخين والباحثين في التراث، كما أصبحت مهتما بالحرفيين الجزائريين الذي يصنعون الزليج الأصلي، لأنه أصبح يصنع محليا، ورغم أنه باهض الثمن لكن سأعتمد عليه إلى جانب البلاط الذي يجب أن أعيد أصالته، فعملية الترميم ستحترم الهندسة الأصلية للحمام بعد أن مسه تغيير، مثل إزالة مكان وضع ”القباقب”، في حين أن ”بيت السخون” لاتزال بنفس الشكل الأصلي”. تحدّث عبد الرحمن ميراوي عن الطقوس التي كانت سائدة قديما، والتي كانت تحرص عليها العائلات ”القصباجية”، حيث أن الحمام كان يقصده المسلمون واليهود، موضحا في تدخله أنهما كانا يجسدان نفس التقاليد في هذا الجانب، مشيرا إلى أن الحمام يحتوي ”بيت ليهود”، وكانت تحتوي حوضا خاصا بالعروس، لأن اليهود كانوا يضعون عروسهم داخل الحوض ويرمون فيه الورود وماء الزهر، ويوزعون حلويات ”الكعيكعات”. أما العروس المسلمة فلها بيت خاص بها في الحمام. وحسب ما ترويه كبيرات السن يقول ميراوي:”حين كانت العروس اليهودية تخرج من الحمام فإن الفتيات العازبات يدخلن في الحوض الذي يحتوي المياه التي اغتسلت فيها، وذلك كفأل خير لقدوم عريس لهن”. مؤكدا أن جميع عرائس القصبة مررن على حمام ”بوشلاغم”، ناهيك عن الأطفال المقبلين على الختان. طرأ تغيير على المدخل الرئيسي الأصلي للحمام لأن هذا الأخير ليس نفسه المدخل الحالي، ورغم ذلك فهو يبعد الطريق الرئيسي، وهو سبب لجوء النسوة إليه. وفي رد عبد الرحمن ميراوي على سؤالنا حول زمن إعادة ترميم الحمام أجابنا:”سيكون ذلك في المستقبل القريب وسأكون حريصا على احترام مواد البناء الأصلية، خاصة بعد أن اطلعت على الفن الموريسكي”. الحمامات التاريخية بمدينة الجزائر.. شعلة سياحية رغم ما طرأ من تغيير على المدينة العتيقة بسبب الاستعمار الفرنسي، لأن البنايات التي أسسها على مرمى حجر من القصبة، إلا أنها الفضاء الذي لا يغفل عنه السياح الأجانب لما تحتويه من خصوصية ثقافية واجتماعية. لنسأل عبد الرحمن ميراوي عن الخدمات التي سيوفرها بعد إعادة ترميم حمام ”بوشلاغم”، والدور الذي سيلعبه من الناحية السياحية.. ليجيبنا متحدثنا:”السياح الأجانب يأتون للحمام بغية التعرف عليه من ناحية هندسته المعمارية وتاريخه، خاصة أن الحمام كان تقصده شخصيات مميزة، فوالدي له سجل دوّن فيه أهم من اعتمد خدمات الحمام مثل أيقونة الطرب الشعبي الحاج العنقا، والممثل السينمائي الفرنسي ”روجي آلان” الذي جاء عدة مرات، وكذلك ”روبرت كاستال”، وغيرهم من مغني وعازفي الغناء الشعبي العاصمي. محمد بن مدور:”أغلب الحمامات العتيقة زالت بسبب توسيع الأزقة من طرف الاستعمار الفرنسي” عرف سكان مدينة الجزائر حمامات قبل مجيء الأندلسيين، لكنها لم تكن بنفس الهندسة التي عرفت في الفترة العثمانية، وكان هناك عدد كبير من الحمامات بالمدينة العتيقة، حيث كانت هناك حمامات خاصة بالنساء وأخرى خاصة بالرجال وغيرها خاص بالعروس كذلك، وكان الحجز يتم 15 يوما قبل أن تزف العروس إلى بيتها. وتحتوي الحمامات 9 غرف، مثل حمام ”سيدنا” نسبة لمصطفى باشا، والموجود بشارع مشري حاليا، فذلك الحمام - يضيف بن مدور - خاص بالعرائس، وتحديدا خاص بالداي. وعند ملاحظة بنايات الجزائر الأولى لم تكن تحتوي حمامات، وفي القرن 17 م بدأت بوادر ظهورها داخل القصور، كما أن بعضا من الرياس وضباط الجيش الانكشاري ومسؤولي المدينة كانوا يذهبون للحمامات الخاصة بهم. يحتوي حمام العروس 7 غرف، حيث نجد قاعة الانتظار، قاعة اللباس التي يتم فيها تغيير الملابس، ثم ”بيت السخون” التي يكون جنبها صندوق الدفع، مضيفا في حواره معنا أن العملية كانت منظمة، لأن الأمتعة أو”الرزمة” كانت مرقمّة وتوضع في مرتفع دائري متحرك ضمانا لها من السرقة. كما أن الحمام يحتوي غرفة صغيرة توضع فيها مجوهرات العروس والأشياء الثمينة فقط. وأشار الباحث إلى أنه بعد الخروج من ”البيت السخون” يتم التوجه إلى ”البيت الباردة”، وهي عبارة عن مساحة تتواجد بها أفرشة لأخذ قسط من الراحة مع لبس ”الفوطة”، ثم يتم التوجه بعدها إلى ”بيت الغسيل” للغسل مرة ثانية. وللتذكير فإن العروس لها غرفة خاصة بها حتى لا تختلط بآخرين وتكون في كامل راحتها رفقة عائلتها. كما تتواجد غرفة خاصة بأهل العروس فقط وأهلها، والميزة التي يختلف فيها ذهاب العريس إلى الحمام عن العروس هو اصطحابه ب”الزرنة”، وزمن ذهابه إلى الحلاق.. ليتوقف هذا الإعلان التقليدي إلى غاية دخوله المنزل. لكن ”الزرنة” لم تكن مصاحبة للعروس حتى تكون في جو محتشم. وأكد محمد بن مدور أن التجار ”الدزيريين” هم الذين كانوا يملكون ويسيرون الحمامات في فترة بني مزغنة، علما أن اليهود هم من أسسها، وهم من كان يشرف على الحمامات في الفترة العثمانية، والذين كانوا مستقرين بكثرة ناحية ”باب عزون”، وبعدها انتقلت هذه الحمامات لملكية ”لقبايل” أي المنحدرين من منطقة القبائل بعد شرائهم لها. ويعتبر حمام ”بوشلاغم” الذي تأسس في القرن 17م من أقدم حمامات المدينة العتيقة، والذي يشرف عليه شخص همه الحفاظ على هذه القطعة التاريخية، خاصة أن أغلب الحمامات زالت بسبب عمليات توسيع الأزقة التي قام بها الاحتلال الفرنسي لتشييد بنايات بطابع أوربي والتي قاموا فيها بتخريب 6000 سكن. أما الحمامات المتبقية شيدت فوقها عمارات مثل حمام ”بوشلاغم”، وحمام ”الحوتة” الموجود بشارع عرباجي عبد الرحمن.