تمر هذه الأيام الذكرى الثلاثون لاغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، الذي ترك ما يقرب من أربعين ألف رسم كاريكاتوري تميزت بنقدها السياسي اللاذع ووقوفها كمقاومة فنية لاحتلال وطنه فلسطين. رحل العلي وبقي رمزا فنيا خالدا وأيقونة لا يطالها النسيان. استعادة ناجي العلي القتيل، والعالق مثل قمرٍ دامٍ في الذاكرة الفلسطينية، تعني استعادة لكثيرٍ من تراجيديا تلك الذاكرة، القتيلة، أو الممحوة، فهي استعادة لسفرٍ طويلٍ من الخداع والضياع والمتاهة، وللجرح العربي المفتوح منذ أكثرِ من نصف قرن، وربما - هي - استعادة ثقافية لم تعد صالحة لزمن ”الهويات المقتولة”، إذ ظلت تمارس ضلالها وعتمتها وتوحشها على طبيعة الخطاب الثقافي والثوري، وربما هي - من جانب آخر - استعادة قاسية لوجعٍ تاريخي ظلّ يمسّ المكان والفكرة، واللغة، ويمسّ القضية أيضا. لا يعرف تاريخ ميلاد ناجي سليم حسين العلي على وجه التحديد، ولكن يرجح أنه ولد عام 1937 في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، بعد احتلال إسرائيل لفلسطين هاجر مع أهله عام 1948 إلى جنوبلبنان وعاش في مخيم عين الحلوة، ثم هَجر من هناك وهو في العاشرة، ومنذ ذلك الحين لم يعرف الاستقرار أبدا، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم عين الحلوة بجنوبلبنان اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطاته المعادية للاحتلال، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها. وكذلك قام الجيش اللبناني. باعتقاله أكثر من مرة وكان هناك أيضاً يرسم على جدران السجن. سافر إلى طرابلس ونال منها على شهادة ميكانيكا السيارات. تزوج من وداد صالح نصر من بلدة صفورية الفلسطينة وأنجب منها أربعة أولاد هم خالد وأسامة وليال وجودي. أعاد ابنه خالد إنتاج رسوماته في عدة كتب جمعها من مصادر كثيرة، وتمت ترجمة العديد منها إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى.. كان الصحفي والأديب الفلسطيني غسان كنفاني قد شاهد ثلاثة أعمال من رسوم ناجي في زيارة له في مخيم عين الحلوة فنشر له أولى لوحاته، وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوّح، ونشرت في مجلة ”الحرية” العدد 88 في 25 سبتمبر 1961 م. في سنة 1963 م سافر إلى الكويت ليعمل محررا ورساما ومخرجا صحفيا فعمل في الطليعة الكويتية، السياسة الكويتية، السفير اللبنانية، القبس الكويتية، والقبس الدولية. حنظلة شخصية ابتدعها ناجي العلي تمثل صبياً في العاشرة من عمره، ظهر رسم حنظلة في الكويت عام 1969م في جريدة السياسة الكويتية، أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973م وعقد يديه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته. لقي هذا الرسم وصاحبه حب الجماهير العربية كلها وبخاصة الفلسطينية، لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث ولا يخشى أحداً. ولد حنظلة في 5 جوان 1967م، ويقول ناجي العلي إن حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية. حنظلةُ صار هو الرائي، وهو المُحدّقُ أبداً في العتمة، والمدوّرُ بغموضهِ مثل كائن فنتازي. يرقبُ العالمَ من حوله بصمتٍ فاجع، وهو المسكون بالأصوات، والهواجس، يجاهرُ ويشاهرُ عبره بالمرارة، تلك التي سرعان ما تحولت إلى خازوقات عميقة، وإلى أسئلة أومواقف أو رؤى أكثر فجائعية.