الفجر: كيف تنظرون إلى واقع الصحافة الجزائرية اليوم، من موقعكم خارج مجال التسيير وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة؟ علي جري: أعتبر نفسي، قمت بما أستطيع تقديمه للصحافة ولجريدة الخبر، وكنت أقول منذ سنة 97 أن الصحافة الجزائرية يجب أن تنتقل من مرحلة التعاونية إلى مرحلة المؤسسة، وهذا لم يحدث بعد للأسف، وإذا استمرنا على حالنا فإن تجربتنا مآلها الزوال• لدينا عناوين صحفية كبيرة بكل المقاييس، لكننا لا نملك مؤسسات إعلامية سواء بالمفهوم المالي لذلك أو بالفهوم المهني، فالصحفيون الناشرون لم يتطوروا ذهنيا وتسيطر عليهم الذهنية الاقطاعية، والمؤسسة الحديثة لا تسير بهذه الطريقة، بل يجب أن تسير بمقاييس مؤسسة إقتصادية وتجارية مثل أي قطاع آخر، فرأيي أن تجربة الصحافة المستقلة وصلت إلى نهايتها وأتمنى أن أكون مخطئ• الفجر: هل تخشى زوال الصحافة المستقلة التي أنشأها صحفيون لحد الآن، وتخلفها صحافة تابعة لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ؟ علي جري: الصحافة في كل دول العالم، ليست مصدرا لتحقيق الأرباح، ونحن لم نوظف المال الذي تحقق في بداية تجربتنا زمن بين الأخطاء التي وقعنا فيها، أننا لم ننوع إستثماراتنا بهدف حماية هذه المؤسسات الصحفية من ضغوط الاشهار والسلطة••• فالخبر مثلا، رغم أنها في جريدة كبيرة، لو يتقلص عدد صفحاتها الاشهارية وتتراجع مبيعاتها ستسقط• وإضافة إلى ذلك، فالمحيط العام للصحافة يعرقل تطورها، وبصفة خاصة السلطة التي عملت كل شيئ من أجل تكسيرها، وساعدها في ذلك برميل البترول الذي يسمح لها بإرشاء الجميع، وبالتالي أبقت إحتكارها للاشهار الذي توزعه على من تريد في شكل مساعدة وليس سوق حقيقية• أما المسؤولية الداخلية للأسرة الاعلامية، فتكمن أساسا في تسييسنا للصحافة بشكل مبالغ، مما شكل صعوبة كبيرة على الصحفيين لتنظيم صفوفهم والدفاع عن حقوقهم، في غياب آليات داخل هيئات التحرير تسمح للصحفي بالتعبير عن هويته، الأمر الذي جعل علاقة الصحفي بالمستخدم علاقة بائع ومشتري، وبالتالي هيئات التحرير بقيت ضعيفة، وليس لها وزن كبير في تحديد مضمون الرسالة الاعلامية• الفجر: ألا تعتقد أن الحديث عن صحافة مستقلة الآن تجاوزه الزمن، وأن الأصح هو الحديث عن صحافة خاصة؟ علي جري: "فرات" ليس هناك صحافة مستقلة، بل هناك صحافة خاصة وهذا ليس عيب، في بداية تجربتنا كنا مستقلين عن السلطة وعن الأحزاب وعن أصحاب المال، لكن اليوم أصبحت هذه الجرائد ذات رأس مال خاص وفي كل العالم تعود الصحافة لمجموعات مالية• المهم بالنسبة لنا اليوم هو الاحترافية، فعندما نلتزم الاحترافية، لا يهم من يملك الجريدة وما هو خطها الافتتاحي• الفجر: وهل يمكن فتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي في الصحافة حاليا؟ علي جري: الصحافة مغلوقة على الجزائريين أنفسهم، فكيف نفتحها على الأجانب؟ فقوانينا ليست مهيئة لذلك، والأولوية الآن لفتح المجال السمعي البصري، ثم على السلطة أن تبادر بتحديد أهداف وإسترتيجية على المدى البعيد لتفتح تدريجيا الحقل الإعلامي كلية، وإذا لم تفعل ذلك فسيفرض عليها مثلما فرضت عليها أشياء كصيرة، ولا أعتقد أن السلطة تجهل بأن هناك جزائريين أنشأوا صحف وقنوات تلفزيونية في الخارج، وبرامجها موجهة للجمهور الجزائري• وحتى وزراؤنا يتابعون أخبار السياسة الوطنية، وهل يترشح رئيس الجمهورية أم لا لعهدة ثالثة في قنوات وصحف أجنبية• إذن لا يجب أن نضحك على أنفسنا، علينا فقط أن نحترم القواعد الإقتصادية والتجارية• الفجر: ميول مسؤولينا لمخاطبة الجزائريين عبر وسائل الإعلام أجنبية•• هل يعود لضعف مصداقية الصحافة الجزائرية، أم لأن المجال الإعلامي عندنا مغلق أم لأشياء أخرى؟ علي جري: مسؤولون منشغلون أكثر بالرأي العام الخارجي لأنه قادر على زعزعتهم، أما الرأي العام الداخلي فلا يهمها في شيئ، وإذا حدث أن تفاوضت السلطة مع أي طرف إجتماعي فيكون ذلك تحت الضغط وبعد أحداث مأسوية، فهناك إحتقار لما هو محلي وليس فقط الصحافة• صحيح أن هناك ضعف في الصحافة الوطنية، لكن هذا راجع لكون الصحفي الجزائري يعمل في مجال غامض، حقه في الوصول إلى الخبر غير مضمون، ومع مرور الوقت أصبح الشارع هو الذي ينتج المعلومة الصحيحة، والمسؤولون يقدمون معلومات خاطئة، مما جعل الشعب تائه والصحفي كذلك• الفجر: نحن نحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة• ما تعليقكم على هذه المناسبة؟ علي جري: جميل أن نقيم وقفة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، لكن المناسبة أفرغت من محتواها•، لقد تم تمييعها مثل باقي المناسبات الوطنية والعالمية، وعليه أرى أنه من واجبنا إعداد حصيلة ما حققناه وما ينتظرنا تحقيقه في هذه المناسبة•