شكلت العملية الانتحارية التي استهدفت، أمس، مدرسة الدرك الوطني ببلدية يسر ببومرداس، أعنف هجوم إرهابي منذ بداية مخططات العمليات الانتحارية في أفريل من سنة 2007 والتي دشنتها الجماعات المسلحة باستهدافها قصر الحكومة في هجوم لم يعرف له مثيل من حيث نوعية الأسلوب المعتمد. وحسب حصيلة أولية لوزارة الداخلية والجماعات المحلية فقد بلغ عدد ضحايا عملية أمس 43 قتيلا أغلبهم شباب كانوا ينتظرون أمام مدخل المدرسة للاطلاع على نتائج مسابقة الالتحاق بصفوف الدرك الوطني، لكن القدر أراد لهم أن يقضوا نحبهم وهم ليسوا بعد دركيين. وتعد أكبر حصيلة للقتلى منذ هجمات أفريل التي أوقعت 30 ضحية وعشرات الجرحى. ومن الأرجح أن تكون حصيلة القتلى في العملية الإرهابية أمس بيسر أكبر بالنظر الى عدد الجرحى الذي بلغ 38، حسب حصيلة قدمت صباح أمس من طرف وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين يزيد زرهوني، الذي تنقل الى مكان التفجير للوقوف على حجم الكارثة الجديدة ،التي جاءت لتطيل قائمة العمليات الإرهابية والهجمات الانتحارية المسجلة في منطقة القبائل وفي كل من سكيكدة وجيجل منذ بداية السنة. وكانت مصادر أمنية تحدثت مؤخرا عن بلوغ عدد العمليات الإرهابية المنفذة منذ بداية السنة الجارية بشرق العاصمة ومنطقة القبائل بشكل عام 60 عملية قتل فيها عشرات الأشخاص من المدنيين وقوات الأمن، حيث كانت عناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال غالبا ما تستهدف مراكز الشرطة، ثكنات ودوريات قوات الأمن المشتركة. ونفذ في تيزي وزو 20 اعتداء إرهابيا، بينما شهدت ولاية بومرداس سلسلة من الهجمات الإرهابية تصاعدت وتيرتها بشكل مقلق منذ شهر جوان المنصرم ووصلت الجماعات الإرهابية حد تنفيذ اعتداءين في الأسبوع الواحد على غرار ما حدث بعد استهداف مقر الأمن بتيزي وزو بداية الشهر الجاري، ومباشرة بعدها مقر خفر السواحل في زموري. وإن كان وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين يزيد زرهوني غالبا ما يهون من حجم الاعتداءات الإرهابية بالقول أن العناصر المسلحة تبحث عن صدى إعلامي يثبت وجودها بعد أن حاصرتها قوات الأمن المشتركة في المثلث الذي تتخذ منه مركزا لمعاقلها والممتد بين بومرداس، البويرة وتيزي وزو، إلا أن العملية الانتحارية التي نفذت أمس تطرح تساؤلات جديدة عن مدى فعالية الإستراتيجية المعتمدة حاليا من طرف أجهزة الأمن لمكافحة الإرهاب والقضاء على العناصر المسلحة، حتى وإن كان لا يمكن الإنكار بأن الإستراتيجية ساهمت في منع هجمات إرهابية في الوسط الحضري منذ العمليات الانتحارية التي هزت العاصمة العام الماضي، فإن تسارع التدهور الأمني بمنطقة القبائل أو إن صح القول خارج العاصمة يؤكد ظهور ثغرات أخرى في مخططات مكافحة الإرهاب، ولم تكف استراتيجية استباق حدوث العمليات الانتحارية المعتمدة بعد تفجيرات ديسمبر الماضي في وقف همجية الانتحاريين وتحقيق أمن واستقرار فعلي في كل ربوع الوطن، بعد أن بلغت حصيلة اعتداء ديسمبر 41 قتيلا. وبالعودة الى كرونولوجيا بسيطة للعمليات الإرهابية المنفذة منذ بداية السنة فإن شهر جويلية وأوت يعدان الأكثر دموية، فمنذ أن نفذ الاعتداء الانتحاري بدراجة نارية ضد قافلة عسكرية في 23 جويلية الماضي بالاخضرية والذي خلف 13 جريحا، تسارعت الهجمات الإرهابية باستعمال القنابل والعمليات الانتحارية بواسطة سيارات وشاحنات معبأة بالمتفجرات، حيث نفذ اعتداء آخر بولاية البويرة يوما فقط بعد زيارة رئيس الجمهورية للولاية نهاية جويلية، وبعده اعتداءات أخرى بتيزي وزو على مركز للأمن وزموري على مقر خفر السواحل التي قتل فيها 9 أشخاص، وكانت سابع عملية إرهابية نفذت منذ بداية جوان. بلغت حصيلة العمليات المنفذة في منطقة القبائل وحدها 17 قتيلا و71 جريحا الشهر الماضي، قبل أن تمدد العملية الانتحارية أمس بمدرسة "يسر" من قائمة العمليات وقائمة القتلى والجرحى من ضحايا الإرهاب وتضيف أيضا تساؤلات جديدة عن فعالية المخططات الأمنية المخصصة للقضاء على 300 إرهابي.