إن موجة الاعتداءات الإرهابية لشهري جويلية وأوت، التي مست عدة ولايات من الوطن، بعيدة كل البعد عن "الأعمال الإنتقامية" مثلما زعمته منظمة القاعدة في المغرب. الإيمان بذلك يعني أنه في حالة توقف قوات الأمن عن ملاحقة الجماعات الإرهابية فإنها لن ترتكب أي جريمة. الإيمان بذلك يعني خاصة قبول وضع المنظمة في موقع الضحية التي لا تقوم سوى بالدفاع عن نفسها عندما تهاجم، أما بقية الوقت فهي لا يحركها أي عداء تجاه بلدها ومؤسساتها وأبنائها. لكن الحقيقة شيء آخر، لاسيما منذ أن قامت القاعدة في الجزائر بجلب الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقا وحاولت إعطاء لعملياتها الأخيرة مظهرا جانبيا وأن عملياتها للشهرين الماضيين هو مثال واضح على ذلك، حيث بالنسبة لها يجب إحداث أكبر حجم من الأضرار بأقل تكلفة، من خلال اللجوء للعمليات الجماهيرية في الأوساط الحضرية ودون التفرقة بين المدنيين وقوات الأمن واستهداف "المصالح الأجنبية" للمتعاملين الاقتصاديين والدبلوماسيين للجزائر واستهداف السلطات السياسية والعسكرية العليا خلال تنقلاتهم والتهجم على الرموز السياسية والأمنية للدولة. كما بإمكان دائما ترجمة هذه الأعمال الإرهابية بمحاولة البحث عن "صدى إعلامي" للمنظمة الإرهابية. لكن، يبقى أنه بعيدا عن هذه المشاهد يوجد حرب حقيقية ضد الجزائر، مدبرة وموجهة من طرف القاعدة. وإذا كانت حقيقة مدبرة من طرف القاعدة فهي تقوم بها الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقا، التي ليس لها أي شيء من الجماعات الإرهابية منذ تأسيسها إلى غاية إعلان ولائها للقاعدة في 11 سبتمبر 2006. حرب يمكن إحصاء منذ ذلك التاريخ مئات الضحايا وهذا يعني أن نظرة الجماعة السلفية للدعوة والقتال كمنظمة إرهابية مثل كل المنظمات التي سبقتها في النشاط في الجزائر أو المراحل التي قطعتها هذه المجموعة قبل إعلان ولائها للقاعدة هي مخدوعة. والأمر لا يتعلق بإرهاب في معناه الأول، كونه يتهجم على السلطة السياسية لاعتبارات إيديولوجية، لكن هي حرب ضد الدولة بكل مكوناتها وهي الأخرى مخططة لأن تكون استمرارية لحرب شاملة بدأت في العراق وأفغانستان وتنتظر دورها في العديد من الدول. إن عملا إجراميا في الجزائر يجلب الانتباه ويذاع دوليا وسوف لن يسجل فقط على حساب الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقا وإنما سيصفق له جميع أتباع القاعدة في العالم، كما سيعكف "الإيديولوجيون" على الدفاع عنه من خلال "إيجاد الغطاء الديني له". وانطلاقا من هذا، تقوم الاستراتيجية المتبعة لمكافحة الإرهاب بالتكيف مع الأنماط الجديدة المتبعة من طرف الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقا والتي أتت بثمارها وهي من إنجاز قوات الأمن وحدها. إن مربط الفرس يكمن في محاولة القاعدة في المغرب الإقناع بعدم المساس بأرواح المواطنين قصد عزل قوات الأمن في إطار مكافحتها للإرهاب وهو ما كذبته دوما الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقا. ومع مرور السنوات، نلاحظ أن تجنيد شبكات الدعم وسط هؤلاء المواطنين لم يتوقف أبدا، في حين أن رجال الدفاع الذاتي والمقاومين الذين شكلوا لبنة إضافية في مكافحة الإرهاب تم تجريدهم من أسلحتهم. يمكن دوما أن نقول أن الوضع تغير مقارنة بالعشرية السوداء حين تشكلت نواة الدفاع الذاتي 1995 - 1994 يعني أنه قبل حدوث المجازر الجماعية ل "الجيا" في المناطق الريفية وهو يفسر أن نشأتها جاءت في نفس الوضع الذي تعيشه بعض مناطق البلاد، وبالتالي يتعين العودة إليه في الظرف الراهن ، كون تجربة هؤلاء جد ثرية وبإمكانها أن تكون قاعدة تفكير لتقوية مكافحة قوات الأمن للإرهاب. في هذا الشهر من سبتمبر، حيث تمر سنتان على إعلان الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقا ولاءها لتنظيم القاعدة، التي تميزت من خلاله بالعمليات الانتحارية وضرب المصالح الأجنبية بالجزائر، نلاحظ أنه لا يوجد أي مؤشر ينذر بتراجع الإرهاب إلا إذا تمت مرافقة عملية مكافحة الإرهاب حاليا من طرف قوات الأمن بإجراءات لها علاقة مع حالة حرب لاسيما في إطار تجنيد المجتمع المدني. حتى وإن بقي محصورا بسبب نقص التعداد في بعض المناطق سيعمل كل ما بوسعه لتوسيع خارطته الإجرامية حتى يوهم بأنه يمكن أن يضرب في أي مكان وزمان. وفي نفس المناسبة، سوف يعطي لنفسه أكبر نظرة إعلامية والتي بوسعها استقطاب تعاطف وسط القاعدة وأتباعها وبلغة أخرى جلب عناصر جديدة ولو انطلاقا من الخارج. إن مكافحة الإرهاب التي تقوم بها قوات الأمن وحدها على الصعيدين العسكري والأمني لا تملك حظوظا كبيرة لوضع حد للإرهاب وهي بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتقوية ليس على الصعيدين العسكري والأمني فقط.