ونحن نستقبل عاماً هجرياً جديداً تطالعنا الآمال في نهوض الأمة الإسلامية من كبوتها وعثراتها لتقوي علي التصدي للتحديات والأزمات التي تواجهها وما أكثرها في عالم اليوم المليء بالصراعات. ولقد ضرب صحابة المصطفي صلي الله عليه وسلم الذين هاجروا معه أروع المثل في صنع تاريخ الأمة وكيانها ومكانتها من خلال عطائهم بلا حدود وشجاعتهم وصمودهم بعزيمة لا تلين ولا تعرف اليأس.. فواجهوا بكل ثبات وقوة كل التحديات وانتصروا عليها.. وحققوا بطولات رائعة سجلها لهم التاريخ بأحرف من نور.. فهل تستفيد الأمة الإسلامية من بطولات هؤلاء الرجال ومن دروس هؤلاء العظماء!! الهجرة الآن ليست مجرد نقله من مكان إلى مكان.. لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "لا هجرة بعد الفتح ".. والهجرة المطلوبة الآن.. هي نقلة بالنفس الإنسانية من طبيعة النفس الأمَّارة بالسوء إلي مرتبة النفس اللوَّامة التي تفتش في مسيرة حياتها لتتجنب عوامل الضعف وأسباب الانحراف حتى ترقى إلى مرتبة النفس المطمئنة التي تنادي من قبل الحق تبارك وتعالي "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي". المنهج الإلهي أضف أن الهجرة على المستوى الاجتماعي اليوم تعني النقلة الاقتصادية والاجتماعية إلى آفاق المنهج الإلهي الذي أنزل الله عز وجل ليقوم الناس بالقسط وكلا النوعين النقلة النفسية والنقلة الاجتماعية هي التطبيق العملي لقول الله تبارك وتعالى: "ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين". و أن هجرة الرسول وصحبه من مكة إلى المدينة تذكرنا بأن تحقيق النصر لابد فيه من الأخذ بالأسباب التي وضعها الله في أيدي البشر. ومحال أن يهب الله نصراً لخامل أو كسول أو جبان. لم ينفض غبار الذل والهوان والضعف عن نفسه. وفي الهجرة ضرب الرسول وأصحابه أروع الأمثال في الأخذ بالأسباب. والتضحية بكل غال ونفيس فمكنهم الله في الأرض. ورد عنهم كيد أعدائهم فأقاموا دولة شامخة في الأرض أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. والأمة في هذا العصر لن تفك أسرها من أيدي أعدائها إلا بالسير على الدروب التي ساروا فيها بأن توحد صفها وتجمع أمرها على قلب رجل واحد وتمحو عوامل التفرق التي فرقتها وشتتتها وهونتها على أعدائهم.. الهجرة دواء قوي يعالج أدواء المجتمع من فرقة وتمزق وضعف وفقر ومرض وجهل وأمية ثقافية تستشري في المجتمع.. وهي أيضاً باب فسيح ونافذة مستنيرة من أجل أن تكون لنا ثقافة واعية ووعي ثقافي.. قال: إنه مما لاشك فيه أن الهجرة واجهت تحديات حولت العالم من جمود إلى حركة ومن فوضى إلى نظام ومن مهانة حيوانية إلي كرامة إنسانية.. نعم أيها إنسانية الكرامة وحركة العالم الذي هو مليء بالأحقاد والكراهية وسفك الدماء والصراعات اللامتناهية والدمار والأطماع البشرية.. هذه تحديات لابد وأن نقف أمامها بقوة وشجاعة وصلابة رأي في غير تطرف أو عصبية أو دمار لمن حولنا.