غطى اكتشاف تورط عبد السلام بوشوارب في "أوراق بنما"، على عودة شكيب خليل ومصير ملف "سوناطراك 2" ومذكرة اعتقاله هو وزوجته وابنه، والجدل الذي أثاره صمت القضاء في هذه القضية. ولكن الحالتين تعدان ضربة على رأس النظام، بحكم العلاقات الشخصية القوية التي توجد بين وزير الصناعة الحالي، ووزير الطاقة السابق بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومحيطه المباشر. في كلتا الحالتين أيضا، أظهر جهاز القضاء ضعفا واستكانة لم يستغربهما أحد. فبدل أن يشرح بوشوارب نظرته لما يثار عن تورطه في الغش الجبائي أمام النيابة، اكتفى بخطاب قصير أمام أعضاء اللجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني، أول أمس، حول قضيته، أهم ما جاء فيه أن الجزء الذي يخصه في "أوراق بنما" ملفق من طرف لوبيات أجنبية. هذه اللوبيات، حسب بوشوارب، تستهدفه لأنه هدد مصالحها غير المشروعة في الجزائر. بالمختصر: الأيادي الأجنبية تعود من جديد لتتحرش بالجزائر! بوشوارب تحدث لنواب كان هو واحدا منهم، بحيث "انتخب" في تشريعيات 2012. وغادر البرلمان عندما عين في الحكومة عام 2014. ما يعني منطقيا أنه لا يشكك في كونهم "ممثلي الشعب"، ومع ذلك رفض أن يقدم لهم تفاصيل ما يعتبره "مؤامرة" ضده، مفضلا أن يطلع عليها رئيس الجمهورية ضمن تقرير، قال إنه سيرفعه إليه. وبذلك، فبوشوارب يعتقد أن الرئيس أولى بأن يثبت أمامه "براءته"، لأنه صاحب الفضل في وصوله إلى المكانة التي هو فيها اليوم. ويعكس هذا التصرف من جانب بوشوارب حقيقة لا تخفى على أحد، وهي قربه وعلاقته القوية بمحيط الرئيس وحظوته لدى السعيد بوتفليقة، صاحب صلاحيات وسلطات ازدادت اتساعا، منذ أن أصبح الرئيس عاجزا عن أداء مهامه. الدليل القاطع على مكانة بوشوارب لدى الفريق الحاكم، أن المحكمة الإدارية بالعاصمة أعادته بقرار إلى قائمة مرشحي الأرندي بالعاصمة في 2012، بعد أن أسقطته الإدارة لتورطه في قضية الخليفة. بوشوارب حافظ على ترشحه دونا عن عشرات الأشخاص الذين ألغيت تشريحاتهم بالعاصمة، بعضهم بسبب غرامة مالية لم يدفعها، وآخرون لخلافات مع زوجاتهم وصلت إلى أروقة المحاكم. وقد أصدر القضاء الإداري قراره بناء على تدخل من جهة نافذة، وبعدها بأقل من سنة تم محو كل أثر لبوشوارب في ملف الخليفة على مستوى المحكمة العليا. جرى ذلك قبيل إعادة فتحه من جديد بمجلس قضاء البليدة. ولهذا السبب، لا يمكن أن يحاسب بوشوارب في قضية الشركة التي أسسها في بنما، على الأقل مادامت الجماعة التي تحتضنه موجودة في السلطة. في موضوع شكيب خليل، كرس الفريق الذي يحكم حاليا أسلوبا معينا في إدارة شؤون السلطة لم يكن معهودا قبل 1999، يتمثل في حماية الأشخاص المقربين منه مهما بلغت أخطاؤهم، خصوصا إن كان الشخص صديق طفولة بوتفليقة وولدا سويا في أرض واحدة. في قضية خليل، لا ترى السلطة أنها مجبرة على إعلام الجزائريين بمصير مذكرة اعتقاله بعد عودته. مثلما لم تر من قبل أنها ملزمة بشرح سبب صدور هذه المذكرة من محكمة سيدي امحمد بالعاصمة، بينما قانونا كان ينبغي أن تأتي من المحكمة العليا، لأن خليل وقت الوقائع كان وزيرا، والوزير لديه حق "الامتياز القضائي". وبهذه النظرة لموضوع خليل، فالسلطات وتحديدا رئاسة الجمهورية، محت ملفا كبيرا في القضاء عنوانه "سوناطراك 2". هكذا تم إلغاؤه بأبعاده الدولية بتساهل مريب، في حين يتم تعطيل مصالح آلاف المواطنين بسبب التماطل في معالجة مئات القضايا التي تبقى مكدسة في المحاكم لسنين طويلة. كل ما في الموضوع أن القضايا والملفات في الجزائر، يجري تحريكها بإيعاز لقضاء مصلحة الشخص أو العصبة التي ينتمي إليها، وتتم إزالة أثرها بنفس الطريقة ولنفس الغرض.