- ولد من رحم المعاناة وحقق أكبر انتصارات القرن الماضي تشرع جريدة المشوار السياسي ، إيمانا منها بالتضحيات الجسّام التي قدّمها جيش التحرير الوطني من أجل استقلال الجزائر، وواصل بعده الجيش الوطني الشعبي المسيرة من أجل الحفاظ على أمانة الشهداء إلى غاية اليوم، في نشر روبورتاج في ثلاثة أجزاء، تبرز فيه جسّامة التضحيات العظام ومهامه النبيلة التي قام بها، وستكون البداية من تأسيس جيش التحرير الوطني وأهم محطاته وانتصاراته ضد فرنسا الاستعمارية. ليس بالغريب على الجيش الوطني الشعبي أن يحقق نجاحات متتالية تعجز حتى اكبر القوى العسكرية في العالم عن تحقيقها ويتبوأ أعلى المراتب في اهم التصنيفات الدولية، فهو سليل جيش التحرير الوطني الذي لقن فرنسا الاستعمارية درسا في التضحية وحب الوطن، كيف لا وهو الذي ينفرد بميزة خروجه من رحم المعاناة، وعلى مر العقود وتزايد التحديات، كان ولا زال رجال الوطن مفخرة، بنجاح سليل جيش التحرير في صيانة الوديعة والحفاظ على الأمانة، فلم تقف في وجههم لا فضاعة الإرهاب ووحشيته ولا انفلات شبكات الأسلحة والمخدرات، ولا التحديات الأمنية التي تغرق فيها المنطقة، كما لم توقف في الأمس أجدادهم همجية المستعمر، قوات الجيش الوطني الشعبي كانت لها كلمة الفصل في الميدان وضمنت، وبقوة، نجاح مسيرة الأبطال. هكذا تأسس جيش التحرير الوطني التحديات التي يواجهها اليوم الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير، والتحديات التي رفعها منذ الاستقلال دليل على أنه حفظ الامانة وصان الوديعة، تحول من جيش كان يقود حرب عصابات بأبسط الإمكانيات إلى أقوى جيش في المنطقة عدة وعتاد، وقد دشّن جيش التحرير الوطني في تلك الليلة المباركة المصادفة للفاتح من نوفمبر 45 تلك الملحمة التي لا يزال يذكرها كل أحرار العالم، والتي لقنوا فيها العدو الفرنسي الغاشم درسا في الوطنية والعزيمة والإباء، وقد فجّر جيش التحرير الوطني الثورة بإمكانيات بسيطة جدا، وبعدد قليل وراح يتوسع ويتطور وينتظم، حتى أصبح جيشا بجميع هياكله وأركانه، ليلقن الجيش الفرنسي، رغم كل ما يملكه من عدة وعتاد وخبرة عسكرية، الدروس تلوى الدروس، تكلّلت في النهاية بالنصر المبين، وهي ميزة ينفرد بها الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحري ألا وهي الخروج من رحم المعاناة. ولم يؤسس جيش التحرير الوطني بمرسوم أو قرار فوقي، بل خرج من رحم المعاناة التي ألمت بالشعب الجزائري جراء الاستعمار الفرنسي، وكذا الظروف المحيطة بالثورة والإستراتجية التي اعتمدتها لبلوغ هدفها المتمثل في الاستقلال الوطني، فتكون جيش التحرير الوطني من عناصر مؤمنة بالكفاح المسلح، عرفت كيف تستفيد من تجارب وتقاليد شعبها التواق للحرية، وأدركت تمام الإدراك انه لا يمكن تنظيم جيش كلاسيكي لمواجهة القوات الاستعمارية، بل كانت ترى في الزخم الشعبي قوة حقيقية يمكن الاعتماد عليها من خلال تبنيها لقضيتها العادلة. وقد أخذ قادة الثورة على عاتقهم مسؤولية وضع هياكل لجيش وطني تحريري، وذلك بتشكيل مجموعات صغيرة قادرة على خوض حرب عصابات تبعا لظروف المعركة التي كان ينبغي خوضها مع الجيش الاستعماري، الذي كان متفوقا عدة وعددا. وكان السند الشعبي المتعاظم الذي لقيه جيش التحرير الوطني، وازدياد عدد المنخرطين في صفوفه إيمانا بالثورة ودفاعا عن الوطن، قد مكنه من متابعة مسيرة الكفاح وبدأ في تحسين وتطوير هياكله بصفة تدريجية. مؤتمر الصومام.. المنعرج الحاسم لجيش التحرير كان انعقاد مؤتمر الصومام بتاريخ 20 أوت 1956 بمثابة المنعرج الحاسم في تنظيم جيش التحرير الوطني، حيث وضع قاعدة أساسية وصلبة، بعد أن وحّد التنظيم السياسي والعسكري وزوّد الجبهة بقيادة وطنية موحدة، حيث تم تشكيل وتنظيم بنيته ومعداته حسب مقتضيات المرحلة الجديدة في مسيرة الثورة، بعد النجاحات التي حققها، كانت القرارات المتخذة خلال مؤتمر الصومام، حسب المؤرخين، سببا في إعطاء ديناميكية للثورة المسلحة ومكن من رفع فعالية وحداته بشكل محسوس، وقد تجلت هذه الفعالية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة من الحرب، خاصة بعد تزويده بمعدات وأسلحة متطورة ساهمت بقدر كبير في حسم المعركة لصالحه ضد الجيش الاستعماري وتحقيق الاستقلال الوطني. هجمات أوت 55.. أبطال الثورة يدهشون العالم قبل مؤتمر الصومام بسنة واحدة بالضبط في 20 أوت 1955، وقعت هجومات جيش التحرير الوطني على القوات الاستعمارية في الشمال القسنطيني فقضت على عقدة التفوق العسكري الاستعماري، وحركت الرأي العام العالمي مما أسفر عن تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الأمم المتحدة. وأسقط هذا الهجوم كل محاولات الاستعمار الفرنسي بالرغم من استغلاله كل الإمكانيات البشرية والمادية للقضاء على الثورة، فاستعملت وسائل أخرى مثل (سلم الشجعان) و(القوة البديلة) و(مشروع قسنطينة) لعزل الجبهة وضرب الثورة، والتي لم تتمكن من إضعاف العمل العسكري للثورة ولو بأي شكل من الأشكال. الإنطلاقة ب1200 مجاهد و400 قطعة سلاح يقسّم المؤرخون مراحل تطور جيش التحرير الوطني إلى مرحلة أولى ما بين 1954 إلى 1956 كانت الانطلاقة ب1200 مجاهد و400 قطعة سلاح بنادق صيد ومسدسات أغلبها موروثة من الحرب العالمية الثانية، وكان الجيش موزعا على خمس مناطق وتم ذلك في اجتماع 23 أكتوبر 1954، أما المرحلة الثانية، فمن 1956 إلى 1962، فكانت قفزته النوعية في مؤتمر الصومام 1956حيث أوجدت هيكلة دقيقة لجيش التحرير الوطني سواء من حيث التنظيم أو توحيد القيادات، والرتب والتسليح والتموين والمنح العائلية للمجاهدين، ومخصصات عائلات الشهداء، زيادة إلى إنشاء مصالح مساعدة كمصلحة الصحة والطوبوغرافيا والذخيرة، والمراسلات، والاستخبارات والإعلام والصحافة والمصالح القضائية والاجتماعية، ليصبح تنظيما عسكريا متكاملا بقيادات موحدة خاضعة لسلم مضبوط للرتب، ويذكر أنه بعد تقسيم المهام بين أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ، ظهرت مديرية الحرب وقسم التسليح والتموين وكان هذا الإجراء يعد أول خطوة في إطار هيكلة جيش التحرير التي تباشرها القيادة بعد عام 1956، وكان لازدياد نشاط جيش التحرير وتنوع عملياته وتعداده وضرورة وجود قيادة موحدة سببا في إنشاء لجنة العمليات العسكرية المتكونة من ممثلين عن جميع الولايات والقاعدتين الشرقية والغربية، سنة 1960 ظهرت قيادة الأركان العامة وكلفت بالتنسيق وتسيير العمليات العسكرية لجيش التحرير في الداخل والخارج ووضعت تحت إشراف لجنة وزارية وبفضل هذه التنظيمات أجبرت جنرالات فرنسا على الاعتراف بقدرات جيش التحرير الوطني وقدراته القتالية. هذه هي أهم انتصارات جيش التحرير الوطني حقق جيش التحرير الوطني عبر مراحل الثورة انتصارات هامة كان لها صدى عالميا، وكان لها تأثير كبير وواضح على الصعيد الداخلي والخارجي، وتنوعت هذه الانتصارات بين معارك طويلة دامت عدة أيام، وكمائن خاطفة، وعمليات تصفية الخونة والمتعاونين مع الاستعمار، وكانت معارك جيش التحرير قد عمت كل القطرالجزائري في كل الولايات التاريخية الولاية الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والمنطقتين الشرقية والغربية، بالإضافة إلى ما كان يقوم به جيش التحرير الوطني من حرب عالية المستوى في التضحية والفداء واختراق السدين الشائكين المكهربين على الحدود الشرقية والغربية. فقد عرفت الولاية الأولى عدة معارك كبرى، أشهرها معركة الجرف التي وقعت بين 22 و29 سبتمبر 1955 بقيادة بشير شيهاني وعباس لغرور وعاجل عجول، وصل صيتها إلى المحافل الدولية ودعمت نتائج هجومات 20 أوت 1955 في تدويل القضية الجزائرية، وكانت فرنسا قد خسرت فيها جيشا كبيرا وعتادا باهظا، ولذلك، قامت بتدريس هذه المعركة في الكلية الحربية سان سير كنموذج لحرب العصابات، ومعركة جبل أرقو بتبسة بقيادة الشهيد لزهر شريط في جويلية 1956 والتي أصيب فيها العقيد بيجار برصاصة قرب قلبه، أما في الولاية الثانية، فالبداية بهجمات 20 أوت 1955 التي أعطت نفسا جديدا للثورة، هذه الولاية وقعت بها عدة معارك استشهد خلالها قادة الولاية منهم الشهيد مراد ديدوش ويوسف زيغود، وحققت الولاية الثالثة انتصارات كبيرة وواجهت قيادات هذه الولاية القوى المضادة للثورة وكان من أبرز قادتها كريم بلقاسم، محمدي السعيد، وعميروش، ومن أشهر ما واجهت الولاية الثالثة عملية الزرق التي استحوذت فيها على أسلحة كثيرة. وكانت المعارك بالولاية الرابعة متواصلة عبر الجبال والمدن، ومن تلك المعارك معركة جبل بوزڤزة، معركة أولاد بوعشرة، معركة أولاد سنان، معركة الكاف الأخضر، معركة جبل باب البوكش 1958 غرب تيارت، وفي نهاية ماي 1958، وقع تمشيط القوات الاستعمارية للناحية معتمدة على الطائرات الكشافة وبدأت المعركة يوم 24 ماي 1958 وقدرت القوات الاستعمارية ب8000 جندي تعززهم الطائرات المقاتلة والعمودية ودامت المعركة 3 أيام وانتهت بانتصار المجاهدين، من أشهر قادتها رابح بيطاط، سويداني بوجمعة، عمر أوعمران، الصادق دهيليس، امحمد بوقرة. أما بالولاية الخامسة، كان بها مجموعة من القادة العسكريين منهم بن مهيدي وبوصوفو عبد الملك رمضان وهوراي بومدين ولطفي، وقد استمرت بها المعارك والكمائن طيلة الثورة من بينها معركة جبل عمور في 2 أكتوبر 1956، فيما امتازت الولاية السادسة بالتنظيم السياسي والإداري لخلايا جبهة التحرير الوطني وذلك بحكم طابعها الصحراوي أولا، بحكم مواجهتها لمختلف الحركات المناوئة للثورة وقد اعتمدت جبهة التحرير السرية للتوغل في صفوف الشعب، كما امتازت بمحاربة البنية الاقتصادية الاستعمارية خاصة ضد حقول البترول والغاز. ومن المعارك البارزة في هذه الولاية، نذكر معارك جبال القعدة وبوكحيل والكرمة والجريبيع في 17/18 سبتمبر 1961. عبقرية الثورة ويعتبر جيش التحرير الوطني من الجيوش التحريرية القليلة في العالم التي تمكنت من إنشاء أجهزة متطورة وهيئات منظمة مكلفة بالتسليح، وقد استمد جيش التحرير الوطني قوته من التفاف الشعب حوله تمكن من مقاومة المستعمر وجبروته بفضل عبقريته التي استغلها لتنظيم شبكات متطورة لتمرير الأسلحة والإمدادات اللوجيستيكية، وعلى الرغم من الحصار وسياسة التضييق على الثورة التي مارسها المستعمر من خلال مد خطي شال وموريس، فإن عبقرية الثورة الجزائرية وجدت كما يؤكد الباحثون في علم التاريخ متنفسا جديدا عبر إنشاء شبكات الجنوب وتشكيل جبهة مالي لتمرير السلاح وتزويد قلاع الكفاح بما يلزمهم من أسلحة وإمدادات. إن حجم ما حققه جيش التحرير الوطني بالأمس هو ولا شك أمانة ثقيلة يحملها الجيش الوطني الشعبي، وكما تميز رجال الجزائر بالأمس، فإن ما تقوم به قواتنا العسكرية اليوم مفخرة كبيرة، خاصة مع كل تلك التحديات الأمنية التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء، فليس سهلا ان يتم التحكم في أمن حدود شاسعة مثل الجزائر يواجه فيها انفلاتا خطيرا للأمن بدول الجوار وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات، ومحاولات لتسلل إرهابي انتهت بتفوق الجيش الوطني الشعبي، على غرار ما حدث في تڤنتورين وعمليات أخرى تلتها، حيث برزت احترافيته في مواجهة احنك انواع العمليات الإجرامية الإرهابية. الجزء الأول