قال المفكّر إدوارد سعيد: »إن تشومسكي من أكثر المتحدين البارزين للأوهام والقوة الجائرة، إنه يمضي إلى دحض كلّ فرضيّة عن الإيثار والإنسانية الأمريكية«. يعد نعوم تشومسكي المولود في فيلاديلفيا عام 1928 أحد أكثر الكتّاب انتشاراً وتأثيراً في العصر الحديث على مستوى العالم في علم اللغويات الحديث، وله العديد من النظريات في هذا المجال منذ خمسينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى ذلك، له مؤلفات كثيرة في الفلسفة والسياسة. وقف إلى جانب القضايا العربية في الكثير من مؤلفاته، ويعد على رأس المنتقدين البارزين للسياسة الأمريكية و"الإسرائيلية". كتابه "آمال وتوقعات" الصادر عن دار النشر الأمريكيّة "هايماركيت بوكس" هذا العام، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات والمحاضرات، يناقش فيها العديد من القضايا والتحدّيات التي تواجه البشريّة، متناولاً السياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة، وموضحاً آثار الدمار الذي خلّفته على الشعوب التي غزتها، حتى إنه يشير إلى أن اصطدام كولومبوس بهذه القارة المجهولة في عام 1492 هو من أسوأ الكوارث التي وقعت على الجنس البشري. بعد المقدمة، ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسين، الأول منهما بعنوان: أمريكا اللاتينية. يحتوي على أربعة فصول: 1 - سنة 514: العولمة لمن؟ 2 - أمريكا اللاتينية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة 3- الديمقراطية والتنمية: أعداؤهم، آمالهم. 4 - أمريكا اللاتينية والوحدة الكاريبية. أما القسم الثاني فعنوانه: أمريكا الشمالية، ويحتوي على ثمانية فصول، وهي مكملة للقسم الأول وهي: 5 - "أخبار جيدة" العراق وما بعد. 6 - انتخابات حرة، أخبار جيدة وسيئة. 7 - تحديات القرن 8 - النقطة الحاسمة؟ 9 - انتخابات 2008: الأمل يواجه العالم الحقيقي. 10 - أوباما والصراع الفلسطيني "الإسرائيلي". 11 - مذكرات التعذيب. 12 - 1989 وما بعد. منتهياً بملاحظات وفهرس. اكتشاف القارة الأمريكية أسوأ الكوارث التي وقعت على البشرية يجد تشومسكي في الفصل الأول المعنون ب "سنة 514: العولمة لمن؟" "أن الشؤون الإنسانية تمضي نحو التعقيد والتنوع والدروب المتقلبة بشكل لانهائي، لكن من حين لآخر تظهر أحداث مهمة تصبح من أبرز النقاط الفاصلة في التاريخ، وكان هناك العديد منها في السنوات الأخيرة، ومن البديهي أن الغرب لم يبق نفسه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كذلك يتطرق إلى حدث مهم، وهو سقوط جدار برلين سنة 1989 الذي كان حدثاً آخر، يجسّد برأيه الأسطورة والحقيقة. يتحدث عن رحلة كولومبوس، واكتشافه أمريكا، القارة التي غيرت وجه العالم، وممارسات الأوروبيين الجائرة تجاه السكان الأصليين، وأن التفوق العسكري حينها لعب دوراً كبيراً في السيطرة عليهم، ولم يحققوا لهم الفائدة الاجتماعية والأخلاقية والطبيعية، بل خلفوا الدمار وتشويه أرواح مستكينة كانت تقبع في ذاك النصف المجهول من الكرة الأرضية، وكانت بذلك الهيمنة العالمية الأولى في التاريخ البشري. يلاحظ من خلال الإشادة برأي العديد من المفكرين أن الولاياتالمتحدة تقوم اليوم بتدمير حضارات المدن التي تغزوها، وأنها تطبق اليوم، ما كانت بريطانيا تقوم به في مستعمراتها، لكن بوسائل تقنية محدثة. السياسات الخارجية لأمريكا يتحدث تشومسكي عن استمرار ادعاءات رؤساء الولاياتالمتحدة في حرصهم على نشر الديمقراطية في دول العالم، وبشكل خاص جورج بوش الابن وقبله رونالد ريغان، ومما يقوله تشومسكي: "في الحقيقة، خطّ الاستمرارية القوي يعود إلى ما قبل بوش الابن، إلى سنوات ريغان، عندما كسب "العنصر النموذجي القوي" في السياسة الأمريكية التقليدية". ويتطرق أيضاً إلى الحديث عن المراحل التاريخية لسياسات الولاياتالمتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، وفي مرحلة الحرب الباردة، ويقول في ذلك: "على الرغم من أن الولاياتالمتحدة كانت تملك اقتصاداً رائداً على مستوى العالم قبل الحرب العالمية الثانية، لكنها لم تكن لاعباً أساسياً في الشؤون العالمية، وكانت هيمنتها محصورة في منطقتها، بعيداً عن غزواتها لجزر الهاواي والفلبين في المحيط الهادي". ويعزو تشومسكي السبب في ذلك إلى أن الولاياتالمتحدة كانت أكبر منتج للنفط بعد الحرب العالمية الأولى، لكنها أرادت أن تستحوذ على مصادر أخرى للنفط، في وقت تحول الاقتصاد العالمي باتجاه الاعتماد على النفط. كما يتحدث عن الرئيس ويلسون وطرده البريطانيين من فنزويلا عام 1928، لأن فنزويلا كانت من أكثر الدول تصديراً للنفط، ودعمه النظام القائم فيها، لفتح الأبواب للهيمنة الاقتصادية للشركات الأمريكية. ويدخل في مناقشات حول سياسات الرؤساء الأمريكيين في الشرق الأوسط، والحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى ممارسات "إسرائيل" في غزة، وإهمال الولاياتالمتحدة دول أمريكا اللاتينية في الفترات الأخيرة، أثناء حروبها في الشرق الأوسط. يرى تشومسكي "أن التحكم بالنفط في الشرق الأوسط هو مصدر هائل للقوة الاستراتيجية للولايات المتحدة، وإحدى أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم لها". ويسرد بشكل تاريخي بدايات توجه الولاياتالمتحدة نحو الشرق الأوسط قائلاً: "في تلك الأثناء، استمرّت الولاياتالمتحدة بالمطالبة بحقوق النفط وضمانها في الشرق الأوسط، في الوقت الذي كانت فيه فرنسا وبريطانيا موجودتين في القيادة". لكن بنهاية الحرب العالمية الثانية، لم تعد الأمور كما كانت، حيث تضاعف إنتاج الولاياتالمتحدة الصناعي ثلاث مرات، وتعرض الخصوم الصناعيون لأضرار ودمار كبيرين، وكتب تشومسكي في ذلك: "كانت الولاياتالمتحدة تملك نصف الثروة في العالم كله، تماشياً مع القوة العسكرية والأمنية التي لا تضاهى، بما فيها الأسلحة النووية، ولم يعد عند مخطّطي السياسة الأمريكية أدنى شك في قدرتهم على تنفيذ مبدأ مونرو لأول مرة، والسيطرة على أغلب العالم". أما مبدأ مونرو فكان عبارة عن بيان صادر عن الرئيس الأمريكي 1823، رفض فيه التدخل الأوروبي في شؤون الدول في نصف الكرة الغربي، وكانت الغاية منه عدم السماح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكيتين، وعدم السماح للمستعمرات القائمة بالتوسع أكثر