من غير المعقول أن تزور مدينة تلمسان ولاتستوقفك إحدى المحطات الطبيعية والتي تعد من أروع ما صور الخالق والقابعة في أعالي جبال عين فزة وفي حضرة سكون رباني يبعث على التوحيد يتعالى فيه صدى أقوى الفترات التي شهدها المكان، كما كان شاهدا على مرور مجاهدين ومفكرين على غرار عبد الرحمان بن خلدون وابن أبي زرع وابن خفاجة أنها مغارة بني عاد التي سحرت كل من زارها مستقطبة السياح من كل حدب وصوب. يعود تاريخ بني عاد 1500سنة، فيما يمتد طولها على مسافة 700 متر، ويصل عمقها إلى 57 متر أين تستقر درجة حرارتها 13 درجة ثابتة صيفا وشتاء. وهو الرقم الذي يعتبره مرافقنا السياحي الدليل على أن المغارة هي القلب النابض لغرناطة المغرب العربي "تلمسان" ذلك أن الرقم 13 هو الدليل الرقمي لولاية تلمسان. وقد سجلت المغارة المتواجدة ببلدية عين فزة كثاني أطول مغارة عالميا بعد مغارة المكسيك، والأجمل من حيث الديكور والجمال الخاص، والتي تزخر بكنوز أثرية ونفائس منقطعة النظير. حيث تتكون المغارة من صخور كلسيه رسوبية تكونت من مياه الأمطار التي تسقط على الأرض، حيث تترسب عبر الثقوب إلى داخل المغارة على شكل قطرات الماء المحمل بالكلس مع ثاني أكسيد الكربون ثم تتبخر وتنزل على الأرض بنفس التركيبة التي كانت في السماء، فتكون صاعدة ومع الزمن تتكون عدة صواعد فتلتحم وتشكل عمود إعانة للمغارة، لتتجلى عظمة الخالق، والعظمة الثانية هي الحاسبة الجيولوجية التي نسميها نحن المسلمين القدرة الإلاهية، فكلما تزيد الصاعدة بسنتيم واحد يعني هذا مرور 100 سنة تمر. وبعكس الصواعد تتشكل النوازل التي تشكل في مجملها سقف المغارة.
الحمام والعنكبوت لحماية مغارة بني عاد
كقانون كل المغارات والكهوف، ترقد بإذن من صور المكان حمامة بيضاء في مدخل المغارة. وغير بعيد عن عش الحمام ضربت العنكبوت شباكها على ذات المدخل. وكأن الحمامة والعنكبوت حارستان لهذه المغارة التي تحمل صورة من صور الإبداع الرباني الذي لا يبعث على غير التوحيد والتسبيح لجلال قدرته التي صورت هذه التحفة الربانية والمعلم الطبيعي النادر. حيث اكتشفت «مغارة بني عاد» وفقا للمعلومات التي حصلنا عليها من المرشد السياحي «إبراهيم عبد الحق» من قرنين قبل الميلاد من طرف الامازيغ الذين كانوا يلجؤون إلى المغارات للسكن فيها واتخاذها قصورا لملوكهم وزعمائهم، عوض بناء البيوت.
قدرة إلاهية تخطف العقول
وبين صواعد المغارة ونوازلها يرتسم مزيج رائع من الألوان التي تداعب العين والقرب في سمفونية من قطرات ندى صخور تطرب لها وهي تسبح لعظمة الخالق. مباشرة بعد المدخل الرئيسي للمغارة وعن بعد أمتار، نجد ثلاثة قاعات: القاعة الأولى منقسمة إلى قسمين وتتميز بكثافة الصواعد التي يزيد طولها عن أكثر من 18متر، وهذا علوا ناذرا جدا، وقليلا ما يزور الإنسان مغارة بهذا المستوى، أما سر الناحية الثانية من القاعة الأولى، هو سرداب طوله145 كلم، يعبر بنا إلى مغارة الحوريات بسيدي يحي بالمغرب، مرورا بجنب غار بومعزة بسبدو جنوبتلمسان، والأمر الذي يأسف له كل جزائري هو استعمال فرنسا ل 60 ألف متر مكعب من الاسمنت المسلح لغلق هذا السرداب، لمنع مرور المجاهدين منه، واستعمال أية آلة حاليا لإعادة فتحه قد تحدث ضجيج كبير يتسبب في كارثة بالمغارة وهو ما يستبعده مرافقنا «إبراهيم عبد الحق». القاعة الثانية هي مستقر الملك، أما القاعة الثالثة فتسمى بقاعة السيوف لبياض نوازلها وحدتهم، وتسمى كذلك قاعة المجاهدين وهي التسمية الأحسن، لأن فرنسا كانت تترقب المجاهدين عند الخروج منها، لكنهم كانوا يستعملون ممرا سريا يعبرونه للقيام بعمليات في الجبل ثم يعودون إلى القاعة الثالثة للاختباء دون تلقي أية مشاكل ، ولما علمت فرنسا بالأمر إثر تعذيبها الشديد لأحد المجاهدين الذي ألقت القبض عليه سنة 1957، قامت بتفجير القاعة بالديناميت حينها شهدت المغارة تخريبا كبيرا في كامل نوازلها، وبقيت أثار الجريمة بادية إلى يومنا هذا. وبين قاعتي «السيوف» و«المجاهدين» اللتان تخلدان مآثر الذاكرة الجزائرية العريقة، تنصب ثالثة الروائع في هذه المغارة الواسعة الأرجاء، هي جدار أبيض ملون كالرخام يمكن للمرء أن ينقر عليه بعمود خشبي، فتنبعث منه نوتات موسيقية نخالها مضاية للريتم الإفريقي الذائع الصيت في القارة السمراء. نسخة ربانية لتمثال الحرية داخل المغارة
وبالاستمرار في النزول عبر مسلك ضيق تم تهيئته للراجلين، توجد صواعد صخرية كلسية في شكل شجر نخيل، يعانق بعضها بعضا مكونا في مجمله شكل واحة وسط صحراء قاحل وقد ارتسمت فوقها أشكال غريبة وعجيبة يفسرها كل حسب مخيلته وإدراكه. سبحنا بمخيلتنا ونحن في نزول دائم نحو أسفل نقطة في المغارة، منتعشين بصفاء المكان، وسط صواعد صخرية كلسية عجيبة تزيد المكان رونقا ومهابة، وعلى منوال تمثال الحرية بأمريكا الموجود بكهوف «غار الباز»، نجد داخل غرفة صخرية وسط مغارة بني عاد، نسخة أخرى لتمثال الحرية، كما تحتوي غرفة أخرى على تمثال صقر أو ما يعرف ب«طائر الملوك المفضل». بالإضافة إلى برج بيزا. تتواصل رحلتنا التاريخية، وتتواصل معها الاكتشافات، فعندما نظرنا إلى سقف المغارة انعكست أمامنا صورة جبل بنوازله البيضاء وكأنها أشجار الصنوبر ومن الجهة الثانية بوستير لصحراء قاحلة وقد تركت بقايا الجمال عليها، لتنطبق مقولة «العكس بالعكس والعكس صحيح»، أو سبحان الله خالق كل شيء. أطلقت العنان لمخيلتي فإذا بي أرى صورة جمل جالس ، والثاني واقف وعليه الهودج تتوسطهم يمامة جالسة في عشها، سبحان الخالق الواحد الأحد، هذا نتاج ما شكلته قطرات الماء ورسالة ربانية للإنسانية جمعاء. وبالضبط في النقطة 57 متر تحت الأرض استوقفتنا صور وأشكال أخرى «صحراء المكسيك، طائر الصقر، الفطريات على اختلاف أشكالها ،وبدى جليا رأس الفيل بخرطومه الكبير، وتلك المرأة الجالسة وابنها بين يديها وكأني بها من الزوار، لم نكن بحاجة إلى مجهر للتأكد مما رأينا ولا من متخصص لإرشادنا، الصورة كانت واضحة والدرس الالاهي كان مبسطا، علينا فقط استيعابه والعمل على إيصاله للأجيال القادمة للمحافظة على هذا الإرث الطبيعي الذي يتأثر بعدة عوامل، أولها الزيارات الغير منضبطة بأوقات محددة، والتي تمنع نمو الصواعد بسبب تنفس الإنسان داخل المغارة، واستعمال الكهرباء لوقت طويل لإنارة المكان، ولمس الصواعد، والكتابة على الجدران. وفي غمرة هذه الرحلة التاريخية الربانية التي تأسر لها العقول والأفئدة وقف مرشدنا أما صاعدة كلسية كانت الأكثر تأثيرا في النفس وهي صاعدة تصور شكل منبر يقف في قمته رجل رافع يديه وكانه يرفع الأذان في اتجاه القبلة. وكان بهذه الصاعدة تذكر الزائر بوقت الصلاة التي قد ينساها المرئ وهو في غمرة الدهشة من تصوير الخارق. فسبحان الله. ولا اله الله.