يعود علينا الفاتح من نوفمبر هذه السنة في الذكرى ال58 لاندلاع الثورة المجيدة بطعم ونكهة خاصة، كيف لا والجزائر تحتفل بخمسينية استقلالها، وبمرور نصف قرن على نجاح ثورة الأبطال التي صنعت أمجاد شعب لثورة حيّرت العالم ولا تزال، وبقيت على طول الزمن مضرب المثل في شجاعة أبطال واجهوا القوة الاستعمارية لفرنسا وبرهنوا لها أن مليون ونصف مليون شهيد ثمن ليس بالغالي على جزائر مستقلة. وحشية المستعمر صنعت تحدي أبناء نوفمبر صنعت ثورة نوفمبر منذ أول رصاصة التميز والانتصار، لأن تحدي إعلان الثورة في وجه فرنسا الغاشمة، كأعتى قوة استعمارية كان الخطوة الأكبر، بعد أن بقيت الجزائر ل132 سنة وظنت واهمة تقنع العالم بأكذوبة «الجزائر فرنسية»، فجاء نوفمبر 1954 ليسقط الحكومات الفرنسية الواحدة تلوى الأخرى، بعد أن وقفت خططهم وأساليبهم الوحشية على مدار سبع سنوات ونصف عاجزة عن إغماد لهيب الثورة التي احتضنها الشعب ودفع الغالي والنفيس من أجل كسب حريته بعد استشهاد مليون ونصف مليون شهيد، من أبرز الأحداث التي عرفتها مرحلة المقاومة السياسية التي امتدّت من سنة 1912 إلى 1954 والتي ساهمت بشكل كبير في تسارع وتيرة العمل على ضرورة اللجوء للخيار العسكري وإطلاق الثورة أحداث 8 ماي 1945، فغداة انتهاء الحرب العالمية الثانية بسقوط النّظامين النّازي والفاشي، خرجت الجماهير عبر كافّة دول العالم تحتفل بانتصار الحلفاء، وكان الشعب الجزائري من بين الشعوب التي جنّدت أثناء المعارك التي دارت في أوروبا، وقد دفع العديد من الأرواح ثمنا للحرّية التي وعد بها لكن فرنسا نقضت عهدها مع الجزائريين بمنحهم الاستقلال مقابل مساهمتهم في تحرّرها من الاحتلال النّازي، فخرج الجزائريون في مسيرات تظاهرية سلمية، لمطالبة فرنسا بالوفاء بالوعد الذي قطعته، وكان ردّها بالسلاح والاضطهاد الوحشي ضد شعب أعزل، فكانت مجزرة رهيبة شملت مدن سطيف وڤالمة وخرّاطة وغيرها من المدن الجزائرية سقط خلالها حوالي 45.000 شهيد، فأدرك الشعب الجزائري أنه لا حرّية له ولا استقلال إلاّ عن طريق النّضال والكفاح المسلّح، فكانت ثورة أوّل نوفمبر المجيدة. ..الليلة التي غيّرت مجرى التاريخ في 23 مارس 1954، تأسّست اللّجنة الثورية لوحدة العمل بمبادرة قدماء المنظّمة السرّية وبعض أعضاء اللّجنة المركزية لحزب «انتصار الحريات الديمقراطية»، وقد جاءت كردّ فعل على النّقاش العقيم الذي كان يدور حول الشروع في الكفاح المسلّح وانتظار ظروف أكثر ملاءمة، وباشر مؤسسوها العمل فورا فعيّنوا لجنة مكوّنة من 22 عضوا حضّرت للكفاح المسلّح وانبثقت منها لجنة قيادية تضمّ 6 زعماء حدّدوا تاريخ أوّل نوفمبر 1954 موعدا لانطلاق الثورة التحريرية وأصدروا بيانا يوضّح أسبابها وأهدافها وأساليبها، في ليلة الفاتح من نوفمبر من سنة 1954، شنّ ما يقارب ال3000 مجاهد ثلاثين هجوما في معظم أنحاء الوطن على المراكز الحسّاسة للسلطات الاستعمارية، وقد اختير هذا التاريخ لمعطيات تكتيكية - عسكرية، منها وجود عدد كبير من جنود وضباط جيش الاحتلال في عطلة نهاية الأسبوع يليها انشغالهم بالاحتفال بعيد مسيحي، وضرورة إدخال عامل المباغتة، وقد تم وضع اللمسات الأخيرة للتحضير لاندلاع الثورة التحريرية في اجتماعي 10 و24 أكتوبر 1954 بالجزائر من طرف لجنة الستة، حيث ناقش المجتمعون قضايا هامة هي إعطاء تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد الإعلان عنه، ليحل محل اللجنة الثورية للوحدة والعمل وقد اتفقوا على إنشاء جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني. وتهدف المهمة الأولى للجبهة في الاتصال بجميع التيارات السياسية المكونة للحركة الوطنية قصد حثها على الالتحاق بمسيرة الثورة، وتجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي وتولى مصطفى بن بولعيد في خريطة أهم عمليات الفاتح نوفمبر المنطقة الأولى الأوراس، وديدوش مراد المنطقة الثانية الشمال القسنطيني، المنطقة الثالثة القبائل لكريم بلقاسم، والرابعة رابح بيطاط، وقد توزّعت العمليات على معظم أنحاء التراب الوطني حتى لا يتمكّن الجيش الفرنسي من قمعها كما حدث لثورات القرن التاسع عشر بسبب تركّزها في جهات محدودة، وعشية اندلاع الثورة، أعلن عن ميلاد «حزب جبهة الحرير الوطني» وتمّ إصدار بيان يشرح طبيعة تلك الأحداث ويحدّد هدف الثورة، وهو استعادة الاستقلال وإعادة بناء الدولة الجزائرية، أحداث لا تنسى في ثورة الأبطال شهدت فترة الثورة التحريرية منذ اندلاعها سنة 1954 العديد من الأحداث التي أبرزت صمود الشعب الجزائري رغم بساطة إمكانياته وبشاعة جرائم الاستعمار التي ما يزال الكثير من المجاهدين يذكرونها. ويا ثورة حار فيها الزمان.. تميز عمر الثورة الجزائرية بالكثير من الأحداث المتتالية اثبت فيها شباب الجزائر قدرتهم الساحرة على الوقوف في وجه أعتى وأعنف الصعاب، فتوالت الأحداث وكان من أهمها أحداث هجوم 20 أوت 1955 الذي اعتبر بمثابة نفس جديد للثورة لأنه أبرز طابعها الشعبي ونفى الادّعاءات المغرضة للاستعمار الفرنسي ودفع بالأحزاب إلى الخروج من تحفّظها والانضمام إلى جبهة التحرير الوطني، إذ عمّت الثورة العارمة جميع أجزاء التراب الوطني، واستجاب الشعب تلقائيا بشنّ عمليات هجومية باسلة استمرّت ثلاثة أيّام كاملة كلّفت تضحيات جسيمة في الأرواح، لكنها برهنت للاستعمار والرّأي العالمي بأن جيش التحرير قادر على المبادرة وأعطت الدليل على مدى تلاحم الشعب بالثوّار، ومواصلة للجهود التنظيمية للهيئات السياسية التي تقود الثورة تمّ يوم 19 سبتمبر 1958 الإعلان عن تأسيس الحكومة المؤقّتة للجمهورية الجزائرية كإحياء للدولة واستعاده للسيادة، ليصبح للشعب الجزائري بعد الإعلان عن هذه الحكومة ممثّل شرعي ووحيد، ومن بين الأحداث التي كشفت بشاعة الاستعمار وجرائمه مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي صعّد فيها الشعب الجزائري مواقفه لتصبح علنية استجابة لنداءات جبهة التحرير الوطني منذ أوّل نوفمبر 1954 فقام بإضرابات ومظاهرات للتعبير عن رأيه والتأكيد على وحدته ونضجه السياسي، وقد بدا ذلك جليا خلال مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي شملت كافّة التراب الوطني وانطلقت يوم 10 ديسمبر من حي بلكور الشعبي بالجزائر العاصمة، حيث خرج المتظاهرون يحملون الأعلام الوطنية ويهتفون باستقلال الجزائر، فحاصرتهم القوّات الاستعمارية محاولة عزل الحي عن الإحياء الأوروبية. وفي اليوم التالي تدخّلت قوّات المظلّيين وأطلقت النّار على الجماهير، ممّا أدّى إلى سقوط العديد من الشهداء، لكن ذلك لم يمنع المظاهرات من الانتشار إلى بقّية أحياء العاصمة وبعدها إلى معظم المدن الجزائرية، حيث برهن الجزائريون خلالها على وقوفهم صفّا واحدا وراء جبهة التحرير الوطني. فرنسا تجبر على الاعتراف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره وأبدت فرنسا رفضها التامّ لمبدأ التفاوض في البداية لكنها سرعان ما أخذت تتراجع جرّاء تزايد عنفوان الثورة وتلاحم الشعب مع الجبهة، فجاء تصريح الجنرال ديغول بتاريخ 16 ديسمبر 1959 كمرحلة جديدة في موقف الاستعمار الفرنسي حين اعترف بحقّ الشعب الجزائري في تقرير مصيره، استمرّت المفاوضات لعدّة أشهر بين أخذ وردّ أكّدت خلالها الحكومة موقفها الثابت، إلى أن جاء الاستفتاء حول الاستقلال وتوّجت المفاوضات أخيرا بالتوقيع على اتّفاقية إيفيان ودخل وفق إطلاق النّار حيّز التنفيذ يوم 19 مارس 1962 على الساعة 12 ظهرا، بقي الشعب الجزائري صامدا طيلة سنوات الحرب يقاوم شتى أنواع البطش من اعتقالات تعسّفية وترحيل وغيرها، مبرهنا بذلك على إيمانه بحتمية النّصر. جويلية 1962.. نهاية 132 سنة من الاستعمار الفرنسي وفي الفاتح من جويلية 1962، تجلّى عزم الشعب الجزائري على نيل الاستقلال في نتائج الاستفتاء التي كانت نسبتها 99.7 بالمائة لصالح الاستقلال، وتمّ الإعلان عن استقلال الجزائر يوم 3 جويلية 1962 واختير يوم 5 جويلية عيدا للاستقلال، وبعد تحقيق الاستقلال، شرعت جبهة التحرير الوطني في بناء ركائز البلاد، لكن الدولة الفتية وجدت صعوبة بالغة في إعادة تأهيل البنى التحتية وإعادة الرّوح إلى القطاع الزراعي والاقتصادي، رغم أن عدد الشعب الجزائري لم يتجاوز، آنذاك، 12 مليون نسمة، وتناوب على رئاسة الجزائر منذ استقلالها سبعة رؤساء بدءا من أحمد بن بلة ووصولا إلى عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الحالي للبلاد. الجيش الوطني الشعبي.. سليل جيش التحرير حافظ دوما على تميزه، فصنع التحدي والإستثناء عندما واجه وانتصر على أكبر القوى العسكرية في العالم، فرنسا الإستعمارية، التي استعملت أمقت السبل وأعنف الوحشية لتتمكن من إضعافه، وهو الذي كان تعداده لا يقارن بقوتها لكنه كان يحمل حلم الحرية، هو جيش التحرير الوطني، الذي أعطى مشعل التحدي لسليل الجيش الوطني الشعبي، فكان دائما المتميز من المساهمة في عجلة التنمية والمشاريع الكبرى للبلاد عقب الإستقلال، إلى تحدي سنوات الإرهاب وبحر الدماء الذي كانت تتخبط فيه البلاد، ولأنه اعتاد دوما أن ينصر الوطن صنّف الأحسن في مكافحة الإرهاب الذي تحوّل إلى بقايا بعد الضربات الموجعة التي وجهها للجماعات الإرهابية، فتمكن من محاصرتها، عززها مسار المصالحة الوطنية، كان الحاضر الأكبر في أعنف الكوارث الطبيعية، وهو الآن في مواجهة تحدي الخطر القادم من دول الجوار، فهل لا يستحق العلامة الكاملة على مرّ عشريات من الزمن؟. نحن ثُرنا فحياة أو ممات... بين الحياة والممات، كانت شعرة رفيعة لم يخف دوما قطعها أسود الجزائر، الذين حيّروا التاريخ والعالم، لقد كانت فكرة الخيار العسكري في مجابهة الإستعمار الفرنسي، وإعلان الحرب عليه بمثابة حلم صعب المنال، تطلب شباب جزائري كانوا يعرفون دوما أنهم في مواجهة الموت وجها لوجه، غير أنهم فضلوا تفجير أعنف ثورة في القرن الماضي، كانت بحق آخر انتصار للمسلمين ضد الصليبيين، هم شباب صناع الإستقلال، تجنّدوا بحب الوطن وبالإرادة والعزيمة، عزموا إلا أن ينفضوا غبار الإستعمار والذل والهوان، وكونوا جيش التحرير الذي وقفوا به في وجه جيش فرنسي يفوقهم أضعافا مضاعفة في العُدّة والعتاد والعدد، ووفرة في الحلفاء والشركاء، لقد كان الجيش الفرنسي في تلك الفترة من أعتا القوات في العالم، وأحسنهم تنظيما وتدريبا، لكن أبناء الجزائر المسلحين، أعلنوا الحرب على إرادة الإستعمار التي جثمت على خيرات البلاد والعباد طيلة 132 سنة من الإحتلال، لقد دشّن جيش التحرير الوطني كفاحهم المسلح في تلك الليلة المباركة المصادفة ل«الفاتح من نوفمبر 54»، تلك الملحمة التي لا يزال يذكرها كل أحرار العالم، والتي لقنوا فيها العدو الفرنسي الغاشم، درسا في الوطنية والعزيمة والإباء، وقد فجّر جيش التحرير الوطني، الثورة بإمكانيات بسيطة جدا، وبعدد قليل يحسب على الأصابع، ولكن الذكاء العسكري لشباب لم يكونوا يوما لا ضباط ولا عقداء وإنما أبناء الشعب الذين أرادوا حريتهم فتحوّلوا لمثرب، مثلٌ في الشجاعة والبطولة. هكذا صنع جيش التحرير آخر انتصارات العرب على الصليبيين من حرب للعصابات إلى حرب منظمة، ومن جيش ببنادق صيد إلى جيش بجميع هياكله وأركانه، لقَّن الجيش الفرنسي رغم كل ما يملكه من عدة وعتاد وخبرة عسكرية، الدروس تلوى الدروس، وكبّده الهزيمة تلوى الهزيمة، وقد كافح ونافح وصابر ورابط طيلة سبع سنوات وأزيد، قدّم فيها التضحيات الجسام، وأبلى فيها البلاء الحسن، تكلّلت في النهاية بالنصر المبين، الذي كان آخر انتصار للجيوش العربية على الجيوش الصليبية بعد نصر صلاح الدين الأيوبي، وأجبر الجيش الفرنسي على الإنسحاب من الأرض الطاهرة ذليلا مدحورا، وكانت النتيجة أن قدّمت الجزائر ما يزيد عن المليون ونصف المليون شهيد، وهو أكبر مهر تقدّمه شعوب العالم لنيل استقلالها. الجيش الوطني الشعبي يخوض معركة التنمية بجدارة الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني بعد الإستقلال، الذي حمل الشعلة وراح هو كذلك يبلي البلاء الحسن في خدمة البلاد، والمساهمة في بناء الدولة الجزائرية الفتية، فخاض معركة التنمية الوطنية، وساهم في صناعة أكبر المشاريع والبرامج لبناء جزائر الإستقلال التي تركها المستعمر تحتضر اقتصاديا واجتماعيا، لأن جيشنا ليس ككل الجيوش، فإن المهمة العسكرية ما هي إلا الجزء الأكبر من تحدياته. وراح يترقى إلى درجة الجيوش النظامية العصرية، حتى بات من أهمها وأبرزها، قوة وتنظيما، وقد صار للجيش الوطني الشعبي بعد الإستقلال ثلاثة أركان، وهي القوات البرية والقوات البحرية والقوات الجوية، وفي الوقت الذي كان فيه الجيش الوطني الشعبي يخوض معركة التطور والبناء، والتي لا تقل أهمية عن معركة التحرير، كان يساهم كذلك في إنجاز المشاريع الكبرى التي ستبقى خالدة خلود تضحياته الجسام في ذاكرة كل الجزائريين، ومن منا لا يعرف المشروع العظيم «السد الأخضر»، الذي أنجز في سنوات السبعينيات بقيادة الرئيس الراحل هواري بومدين، وقد تجاوزت سمعة هذا الجيش الذي خرج للتو من معركة مصيرية لما يملكه من خبرة عسكرية واسعة وشجاعة لا مثيل لها حدود الإقليم العربي والإفريقي، لتصل إلى أقطاب العالم، وواصل الجيش الوطني الشعبي المساهمة في المعركة التنموية التي باشرتها الجزائر، حتى استقام عودها، وقوّيت شوكتها. الجيش الوطني الشعبي في مواجهة إسرائيل وجها لوجه كثيرين هم الجزائريين مَن لا يعلمون عن مسيرة الجيش الوطني الشعبي في مواجهته لعدو العرب «إسرائيل»، وكيف هبّ فيها لنصرة ودعم الأشقاء العرب رغم حداثة نشأته نصرة للمبادئ السامية للجزائر في التضامن المطلق مع قضايا الأمة العربية، والتي تمثل فيها القضية الفلسطينية واسترجاع الشعب الفلسطيني لحقوقه المسلوبة القضية الجوهرية والأساسية التي لا تراجع فيها ولا هوانة، وهي البلد التي احتضنت يوما إعلان الدولة الفلسطينية. وكان الجيش الوطني الشعبي في الصفوف الأولى على جبهات القتال، في سنوات امتدت من 1967 إلى غاية 1975 فترة تواجدت فيها الوحدات العسكرية الجزائرية على الجبهة المصرية، حيث شكل سدًّا منيعا وحارسا أمينا لمنع تسلّل الإسرائيليين إلى الأراضي المصرية، ومباغتة الجيش المصري لتوجيه ضربتهم القاصفة، حيث أثبت عناصر الجيش الوطني شعبي في الميدان، أنهم قادرين على خوض الحروب الكلاسيكية بكل جدارة، تأكيدا منهم أن الجزائر تتبنى قضايا العرب الذين كانت جزءا لا يتجزأ منهم. ... التجربة الرائدة عالميا في مكافحة الإرهاب وكان من المفروض أن ينال الجيش الوطني الشعبي على الأقل استراحة محارب، لكن ذلك لم يكن، ففي سنوات التسعينيات عصفت على الجزائر عاصفة هوجاء، لو عصفت على أي بلد من بلدان العالم لمزّقته قطعا، لكن بفضل وحدة الجيش الوطني الشعبي وقوته، وبمساهمة أسلاك الأمن وكل الوطنيين، الذين وقفوا وقفة رجل واحد في وجه الإرهاب الغاشم والمؤامرات التي حيكت ضد البلاد في الداخل والخارج، بقيت الجزائر واقفة وخرجت إلى بر الأمان، سقط شهداء وضحوا مجددا بالنفس والنفيس من أجل جزائر العزة والكرامة بعد أن توجهت أنظار الدول الكبرى نحو التدخل، غير أن مكافحة الإرهاب التي أخافتهم ولا تزال تخيف أكبر القوى في العالم، تحوّلت لواقع جعل من الجماعات الإرهابية أقليات محاصرة تنتظر المدد عبسا، ولو ما يحدث في دول الجوار وخاصة شمال مالي في الآونة الأخيرة، لكان الإرهاب في الجزائر في خبر كان. وبعد عودة الأمن والإستقرار للوطن، ومرور العاصفة بسلام على الجزائر، وإدراكا من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع، لدور الجيش الفعّال في حماية الوطن، خصّص ميزانية كبيرة للقطاع من أجل تطوير الجيش وتوفير أفضل وأحدث المعدات، بهدف حماية الوطن واحترافية هذا الجيش الذي عقد العزم أن تحيا الجزائر. الدور الآخر للجيش الوطني الشعبي على مر السنيين، رافق الجيش الوطني عمليات الإغاثة والإنقاذ ومساعدة الضحايا في مختلف الكوارث الطبيعية التي شهدتها الجزائر بتجنيد كل إمكانياته البشرية والمادية، فإلى جانب قيامه بالدور المخول له دستوريا والمتمثل أساسا في الدفاع عن السيادة الوطنية ووحدة البلاد وسلامتها الترابية، غالبا ما يستدعى الجيش الوطني الشعبي أثناء الكوارث للمشاركة في إنقاذ المنكوبين وحماية الممتلكات والحفاظ على الأمن العام. وفي هذا الصدد، كان للجيش الوطني الشعبي تدخلات حاسمة في كل من الزلزال الذي ضرب مدينة الأصنام «الشلف» حاليا في 10 أكتوبر 1980، وزلزال بومرداس في 21 ماي 2003، علاوة على فيضانات باب الواديبالجزائر العاصمة في 10 نوفمبر 2001، والفيضانات التي شهدتها ولاية غرداية في الفاتح من أكتوبر2008، وأخيرا تدخّله لفك العزلة عن عدة مناطق حاصرتها الثلوج في شهر فيفري الفارط. وقصد تنسيق وتنظيم النشاطات المتعلقة بالأخطار الكبرى، صدر قرار وزاري سنة 2005، تمّ بموجبه إسناد هذه المهمة لمكتب التعبئة والأخطار الكبرى بأركان الجيش الوطني الشعبي، حيث يضم هذا الجهاز الدائم خلية عملياتية يتم تفعيلها أثناء الكوارث لمتابعة التطورات وتنسيق كافة النشاطات وتدخلات الجيش الوطني الشعبي، وعلاوة على عمليات البحث والإنقاذ، تكمن مهام الجيش الوطني الشعبي أثناء الكوارث، في توفير وسائل الإستطلاع البحري والجوي، وتنظيم جسور جوية وتنفيذ مهام الإنزال والإنقاذ بواسطة الطائرات والحوامات، كما تقوم وحدات الجيش الوطني الشعبي، بتقديم العناية الطبية المستعجلة وإنتاج الطاقة وتوفير الوسائل اللازمة لفتح المعابر والطرقات وإزالة الحواجز وتقديم المعونات، إلى جانب حفظ الأمن والنظام العام. ووسع الجيش الوطني الشعبي في السنوات الأخيرة، تعاونه في مجال الإنقاذ والإغاثة مع الحماية المدنية ومع وزارات وهيئات وطنية أخرى معنية بالمشاركة في إدارة الأخطار الكبرى، وفي هذا السياق، عقد في شهر فيفري 2008، أول اجتماع جمع ممثلين عن الجيش الوطني الشعبي والحماية المدنية انبثقت عنه عدة توصيات من أهمها تدعيم التعاون بين الطرفين في مجال التكوين خاصة في بعض الإختصاصات التي لها علاقة مباشرة بهذه الأخطار كالبحث والإنقاذ ورفع الأنقاض. مهمة حدودية صعبة في مواجهة تفشي اللاأمن في دول الجوار تطلّبت الوضعية التي عاشتها وتعيشها دول الجوار بدءاً من تونس فليبيا وحاليا شمال مالي، بسبب تفشي اللاأمن وسهولة تحرّك عصابات التهريب وشبكات الإجرام المنظمة التي أصبحت تربط خيوطها خاصة فيما يخص تهريب السلاح والمخدرات مع الجماعات الإرهابية، كل هذه المعطيات تطلبت تجندا متميزا لقوات الجيش ومختلف أسلاك الأمن على حدود جزائرية شاسعة وبتضاريس صحراوية وعرة في وجه اشتياح خطر آخر، أصبح يرهب كل دول الساحل ومنطقة الصحراء والجزائر في مواجهته وجها لوجه، حيث تمّ تجنيد كل الإمكانيات العسكرية اللازمة لوقف أي تسلل لشبكات الإرهاب والجريمة المنظمة.