لا يختلف اثنان في أن معضلة السكن في بلادنا، هي المشكلة التي لم يستطع القضاء عليها إلى يومنا هذا رغم المشاريع العديدة والحصص السكنية الكبيرة التي وزعت على أصحابها، إذ أن حلم الحصول على منزل كريم يأوي عائلة ويحميها من المبيت في الشارع بات صعب المنال، وهو ما حوّل موعد الإعلان عن قائمة السكن في بلدية ما أو مقاطعة إدارية إلى فوهة بركان يتطاير منها قلق وغضب واستياء لآلاف المقصيين الذي يعتبرون أنفسهم أصحاب حق ليس إلاّ. «السياسي» حاولت استقصاء معاناة العائلات التي ارتمت في أحضان البيوت القصديرية، وأخرى لم تجد بدًّا في الكراء، فيما بقيت أخرى يتكدس أفرادها في غرفتين لا غير، إلى حين الفرج والإستفادة من سكن لائق.
ما يزال سكان العمارات التي يقطن بها جل العاصميين والتي شيدت إبان الإستعمار الفرنسي، يتجرعون مرارة العيش في سكنات شبهوها ب«علب الكبريت»، فخلال تجوال «السياسي» بأزقة باب الوادي الشعبية التقينا ب«تامر» وهو شاب في عقده الرابع، يقطن بشارع أحمد بوحرز، هذا الأخير لم يتوان في اصطحابنا إلى منزله العائلي لنقل انشغاله للمسؤولين المحليين، فلم يكن مفاجئا لنا ونحن نستمع إليه وهو يسرد لنا معاناته مع الضيق، حيث تعيش عائلتان مكونة من 14 فردا داخل شقة لا يتعدى عدد غرفها الثلاثة، وبتنهد طويل يكمل ذات المتحدث، «لم نعد نستطيع التحمل أكثر من هذا لقد ذقنا المر... إلى متى؟»، فضيق المساحة أجبرهم على النوم بنظام التناوب فيما بينهم، حيث علّق أحدهم بأنه كان يتمنى لو أنه يعمل ليلا، على الأقل فهذا سيضمن له مكانا للنوم في الصباح، بعدما اتّخذ كل فرد من العائلة ركنا شاغرا مكانا له للنوم، كما أضاف تامر بأنهم قد أودعوا عدة ملفات بغية الإستفادة من السكن الإجتماعي، إلا أنه من الواضح ما زال حلم بعيد المنال بالنسبة لهم.
«دفاتر النسيان قذفتنا بعدما أقمنا في شاليهات لأكثر من سبع سنوات»
انتقنا إلى حي درموش الواقع ببلدية برج البحري، الذي تقطن به عشرات العائلات التي رحلت من العاصمة بعد فيضانات باب الوادي في نوفمبر 2001، والبعض منهم انهارت سكناتهم كونها صنفت في الخانة الحمراء، حيث روت لنا إحدى القاطنات بالشاليهات رحلة المعاناة بعد أن وعدت ولسنوات عدة بأنها ستحصل على سكن لائق ولكن ليس عليها سوى أن تصبر لأيام قليلة فقط، فوجدت حالها كحال الآلاف الذين حقنوا بمسكنات الوعود، حيث أشار جل القاطنين بتلك الشاليهات أن هذه الأخيرة لم تعد صالحة أصلا للسكن البشري، كونها بلغت درجة كبيرة من الاهتراء والتصدع، حيث باتت مياه الأمطار تتسرب من الأسطح، إضافة إلى حالة الأرضية التي أضحت بدورها في وضعية كارثية هي الأخرى، مما أدى إلى تسرب المياه القذرة وانتشار رهيب لرائحة الرطوبة وغيرها من الروائح الكريهة، والتي تسببت في إصابتهم بأمراض جلدية وأخرى مزمنة، حيث يضطرون إلى دفع كلفة العلاج الباهضة التي زادت من ثقل همهم.
بناء القصدير.. حل قصري في انتظار الفرج
تعيش عشرات العائلات القاطنة على ضفاف وادي الحميز بالحي القصديري المسمى «محمد بوضياف»، والذي يعد واحدا من أكبر الأحياء القصديرية بالعاصمة، حياة جد مزرية نتيجة المأساة التي يتجرعونها بإقامتهم في بيوت تفتقر لأدنى معايير ومقومات الحياة. السكان وحسب تصريحاتهم ل«السياسي» فإن المأساة التي يتجرعونها تتضح صورها خاصة في فصل الشتاء، أين تسببت الأمطار المتساقطة خلال هذا الموسم في فيضان، أدى إلى تسرب المياه إلى منازلهم، ما جعلهم يقضون ليال في محاولة منهم لحصر المياه التي تغمر بيوتهم باستعمال الدلاء، هذه المعاناة - وحسب هؤلاء - هي سيناريو يتكرر كل موسم شتاء، ناهيك عن مخاوفهم من انهيار منازلهم الهشة التي أصبحت لا تقاوم أي ظرف من هذا القبيل، بالنظر للتصدعات والتشققات في الأسقف والجدران، وفي هذا السياق أكدت العائلات أنها تقوم ببعض الترميمات لكنها لا تجدي نفعا - حسبهم - بسبب الإهتراء الذي تشهده منازلهم المعدمة، موضحين أن طريقة إنجازها والمواد المستعملة في ذلك جعلها غير قابلة للصمود أمام رداءة الظروف المناخية التي تتسبب في الكثير من الأحيان في انهيار المباني المهترئة. وقد أضاف السكان مشكلا آخر زاد من معاناتهم، وهو غياب قنوات الصرف الصحي، مؤكدين في حديثهم بأنهم أخذوا على عاتقهم مهمة إنجاز قنوات تغيب بها أدنى المعايير المعمول بها في هذا المجال، الأمر الذي جعلهم يعانون الأمرين بسبب تدفق المياه القذرة إلى السطح متسببة بذلك في معاناة حقيقية نتيجة الروائح الكريهة المنبعثة منها، إلى جانب الجرذان والحشرات التي أضحت تتقاسم معهم مساكنهم. وبهذا الصدد، طالب السكان السلطات المحلية بضرورة التدخل العاجل ووضع حد لهذه الأزمة التي أضحت تهدد بحدوث كارثة وبائية يكون ضحيتها هؤلاء لاسيما الأطفال الذين يلعبون أمام تلك الحفر بسبب غياب الأماكن والفضاءات المخصصة لهم.
في سياق آخر، تحدث السكان عن النقص المسجل في تزويدهم بالمياه الصالحة للشرب، الأمر الذي يضطرهم إلى الإستعانة بالدلاء لجلب ما يمكن جلبه من هذه المادة التي تعد أكثر من ضرورية في موسم الصيف، ضف إلى ذلك مشكل الإنقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي والذي - حسبهم - يرجع إلى التركيب العشوائي للكوابل الكهربائية التي أنجزوها بمفردهم بعدما تجرعوا معاناة الظلام الذي عاشوه طيلة سنوات، هذه المعاناة وأخرى جعلت السكان يطالبون ويجددون مناشدتهم إلى المسؤولين المحليين من أجل التدخل العاجل والإنصات لجملة المشاكل التي يتخبطون فيها.
... والكراء لمن استطاع إليه سبيلا
كثيرون من تبدد حلمهم في الحصول على سكن لائق، بعد أن ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، خاصة الذين لم يسعفهم الحظ وملوا الإنتظار والترقب عشية الإعلان عن قائمة السكن، وفي هذا الصدد يوضح لنا «إلياس» وهو متزوج حديثا إضطر للكراء لضيق السكن العائلي الذي كان يعيش فيه، مشيرا إلى أن الحصول على منزل للكراء ليس بالأمر الهين كما يعتقد البعض، في ظل الغلاء الفاحش الذي تعرفه آجار العقارات، فبعد رحلة طويلة من البحث بين الوكالات العقارية وتواصل مع السمامرة، استقر مجبرا على السكن في غرفة ومطبخ أو كما يسميها البعض «استوديو» وذلك بمبلغ مالي يقدر بحوالي 12.000دج، ليبقى أمله معلقا بأن يكون في يوم ما واحدا من بين الذين سيبتسم لهم الحظ يوما ويحظى هو الآخر بمنزل يستقر فيه هو وعائلته الصغيرة بصفة نهائية.
قوائم السكن ولهيب فتيل الإحتجاجات
لا يمكن أن يتم الإعلان عن قوائم السكن سواء كان بصيغته الإجتماعية، أو التساهمية ويمر مرور الكرام، فلابد أن تثير العملية زوبعة من الإحتجاجات الغاضبة جراء إقصاء أشخاص يعتبرون الأولوية لأنفسهم، متهمين السلطات المحلية بشتى النعوت وبالكيل بمكيالين، أو بوضع القائمة على أساس «المعريفة»، كما هو الحال بالنسبة للمقصيين من السكن الإجتماعي بحي «كابول» الواقع ببلدية براقي، الذين راحوا ينظمون إعتصامات أسبوعية بالقرب من مقر الدائرة الإدارية والبلدية تارة أخرى، للتنديد بسياسة تجاهل السلطات المحلية لقضيتهم منذ أزيد من 3 سنوات، والمتعلقة بأكثر من 15 عائلة تطالب بحقها في السكن، لكنها ما تزال تقبع في المجهول إلى غاية يومنا هذا، على الرغم من أن جلهم يعاني من مشاكل اجتماعية شردت البعض منهم، بل وأن البعض منهم أجبر على السكن في مستودع كحال إحدى السيدات التي توفي عنها زوجها لتجد نفسها في الشارع مع ستة أطفال وغيرها من الحالات، حيث ندد هؤلاء بسياسة الآذان الصماء التي تنتهجها السلطات في قضيتهم، مؤكدين على إصرارهم وصمودهم في الإحتجاج لغاية نيل حقوقهم التي وصفوها المشروعة.