وصف الأديب والشاعر الأردني جلال برجس في قراءة للرواية الأخيرة للكاتب الجزائري الشاب سمير قاسيمي، حب في خريف مائل ، بأنها رغم جرأتها، تقترب من ذائقة القارئ العربي، الذي ما يزال حائرا أمام مفاهيم كثيرة كالدين والجنس والسياسة، ويأخذه دون أن يعي إلى فضاء المساءلة، وبالتالي، محاورة المصائر الإنسانية، بكل طهارتها وخطاياها. إذ قدّم قسيمي للقارئ العربي شخصيات معافاة من رهاب الاقتراب من الطابو، تشرع الآن بقول كلمتها قبالة مشهد إنساني غامض، وملتبس ومليء بالإشكالات. حيث قال برجس عن رواية حب في خريف مائل، إنها سلسلة من الحيل، الفنية، والسردية، واللغوية، والنفسية، والفلسفية ، كما درج قسيمي في أعماله الروائية السابقة، إذ اعتبرها برأيي الخاص امتداداً تسلسلي لمشروعه الروائي، بحيث يبقى القارئ يقظاً، ومنتبهاً لكل مفردة، وعبارة، لأنها في المحصلة، ستؤدي إلى تشكيل ملامح الصورة، التي عادة ما يبدأها ببرودة رقم الصفر، صعوداً إلى تسارع الأرقام نحو السخونة، ثم السقوط مرة واحدة إلى الهاوية، وبالتالي، إحداث نوع ما من الصحو المصحوب، بأسى مرده مرارة الواقع العربي، فالرواية حكاية نور الدين بوخالفة العجوز الثمانيني، والعجوز قاسم الذي يناهزه بالعمر، ضمن حيلة سردية تفضي إلى حوارات طويلة، تغدو بمثابة نص روائي، يقال بضمير الأنا، لو اختزلنا مقدمات الشروع بالقول، قبل كل حوار. إذ يروي قاسم حكايته، لنور الدين بوخالفه، بعد أن عرفه في يوم خرج فيه، تحت تأثير أسئلة ومشاعر وجودية، حول الموت والحياة، ومصيرها إن خلت من الحب. فيأتي ما يرويه قاسم كجواب على أسئلة الأزمة التي يمر بها بوخالفة. بحيث تنتفي الفوارق بين الشخصيتين، ليصبح قاسم هو نفسه بوخالفه، ويصبح الاثنان هما نفسهما سمير قسيمي، الذي أشار في مدخل الرواية، في شيء يشبه الإهداء، إلى أنه يخوض في عوالم مظلمة في نفسه، وهي التي ستجنبه نعت الروائي المتخلق، رغم أن سمير قسيمي، أشار في غلاف الرواية إلى أنه كتبها نيابة عن نور الدين بوخالفة، لكنها في الواقع حيلة روائية جميلة، أسندت فكرة أن بوخالفة في نهاية الرواية ربما يعمد إلى كتابة ما سمعه من قاسم، وذلك بملء مخطوطة الجدار التي تعمد عبد الله الطرشي صديق قاسم أن يتركها فارغة، وذلك كإحالة مهمة إلى لا جدوى حقيقة الحياة بلا حب، وبالتالي، هناك تتداخل الشخصيات أكثر، فيبدو قسيمي هو نفسه بوخالفة، كما لو أنه يذهب نحو مستقبله وبالتالي إلى مستقبل الفرد العربي، الذي يبدو تائها في ظل التحولات العالمية، وفشل مشروع التحرر العربي قديماً وحديثاً. يمضي قاسم جل وقته في القراءة ممتلكاً وعياً مغايراً، وعلاقة ملتبسة بالمرأة ، إذ ويقيم علاقات شبه يومية مع مومسات دون شعوره بالحب، حتى أنه يجد في نفسه امكانية التخلي عنها، بما أن الرغبة الجنسية قابلة للتحقق من دونهن. فهو يتسلح برؤية خاصة عن الحب، والوطن والدين. مستعيناً بما تلقاه من وعي مرده علاقته بصديقه عبد الله الطرشي، الذي عاش زمناً في روسيا أيام الاتحاد السوفييتي، وفي الجزائر، والهند، وأمضى زمناً يبحث عن الله، وعن إجابات كثيرة لأسئلته. تتضح رؤية قاسم للحياة، عبر منظار عبد الله الطرشي، ويبدو قد تبنى قناعاته، وآمن بها، وراح يمضي حياته مستعيناً بها، محاولاً تجاوز إشكالية علاقته بأبيه وأمه اللذان شكلا ذلك الجانب الغامض في شخصيته، بعد حادثة حب وقتل، تجابه عقيدة المنظومة الاجتماعية. لكن حياة قاسم تأخذ منحى آخر بعد أن عرف لبنة، التي يكتشف، فيما بعد، أن لها اسماً آخر وهو جميلة، حيث تبدأ علاقتهما في القطار، فتكشَف الدواخل النفسية للشخصيات بجرأة، لا ترتهن للثالوث المحرم. ويصف الروائي الاردني أحداث الرواية على انها أخذت حقها من البعد الدرامي الذي حظي بعناصر تشويق يبرع بها قسيمي، كان لها وخاصة في الفصل الأخير، القدرة على جعل القارئ، يذهب إلى أكثر من التعاطف، مع حكاية العجوزين نور الدين وقاسم، وبينهما الحب المتمثل بجميلة، التي تعلن الحيلة الروائية عن كونها ابنة لبنة، وعبدالله الطرشي، وسجينة فريد الذكوري المتسلط، الذي يقتل على يد قاسم بعد موت جميلة بسرطان الدم، إذ تنتهي الحكاية بانتحار قاسم، بعد أن منح نور الدين بوخالفة مخطوطة الجدار، بأوراقها الفارغة إلا من أرقام الصفحات، ليصل القارئ إلى تساؤل مفاده، من كتب (حب في خريف مائل) هل هو نور الدين بوخالفة، أم سمير قسيمي، ومن هو صاحب كل هذا الوجع الكوزموبوليتاني.