تتطلع مدينة البابور التي تقع على بعد 50 كلم شمال سطيف، والتي تظهر وكأنها جزيرة بارزة بين سلسلة من الجبال يبلغ ارتفاع أعلى قممها أكثر من 2000 متر، إلى مواكبة قطار التنمية وعدم الابتعاد عنه. وينزعج سكان هذه المدينة المضيافين عندما يسمعون أيا يقول بأن البابور تعطي لزوارها الشعور بالنعاس لاسيما في هذه الأيام الشتوية التي تكتسي فيها هذه المنطقة رداء أبيضا سميكا، وفي الواقع هذا مجرد مفهوم خاطئ لكون سكان هذه المنطقة العمرانية بحوالي 30 ألف ساكن تضرروا كثيرا من العشرية السوداء التي تسببت في عزلتهم، وأضحوا في الوقت الحالي متعطشين للحياة. وبالرغم من المواقف الصعبة التي مروا بها، إلا أن سكان البابور حافظوا على قدرتهم على تحمل الأذى والضرر وخلال حوالي 10 سنوات لم يفقدوا الأمل وظلوا مقتنعين بأن عجلة التنمية ستتحرك مدينة البابور وضواحيها. وقد أكد (مراد) أن هذه المنطقة قد أحرزت تقدما كبيرا في مختلف القطاعات، مما أدى إلى العودة التدريجية للسكان نحو أراضيهم مثل قطاع التربية الذي شهد إنجاز عدة مؤسسات تعليمية في أطوار التعليم الثلاثة، ويعلم سكان البابور على كل حال بأن منطقتهم تزخر بما يكفي من عناصر الجاذبية والمؤهلات الطبيعية اللازمة لإزْدهارها. محميات طبيعية... منابع مائية وثروة حيوانية هامة وتتميز مدينة البابور الواقعة بأقصى شمال-شرق ولاية سطيف غير بعيد عن سد إراقن بولاية جيجل المجاورة وعلى بعد أقل من 20 كلم عن ساحل البحر الأبيض المتوسط، بالجمال المتوحش لمناظرها الطبيعية، ولا يوجد ما هو أروع من البانوراما التي ترسمها قمم السلسلة الجبلية الممتدة على 100 كلم، والتي يبلغ ارتفاع أعلاها أكثر من 2000 متر، حيث تنمو ثروة نباتية غنية بالأنواع النادرة مثل الصنوبر النوميدي وفطر تريشولوما كاليغاتوم (المطلوب بكثرة بالسوق الخارجية)، علاوة على ثروة حيوانية هامة على غرار طير القبائل الذي يوجد منه عدد قليل من الأفراد وقرد البابون والنمس والزغبة (من القوارض الليلية شبيه بالسنجاب). يزخر الإمتداد الغابي الذي يغطي جزءا هاما من هذه المنطقة التي كانت أيضا مرتعا للثورة، بمنابع من الماء الصافي والطبيعي تكمّل اللوحة الخلابة المتاحة أمام زوار هذا الركن الصغير من الجنة الذي يعدّ أحد أغنى المحميات الطبيعية عبر العالم. إمكانيات معتبرة لتنمية منتعشة على جميع الأصعدة مرت السنوات واستعادت المنطقة طعم الحياة مثلما يثبته ذلك الإنتعاش السائد بشكل مستمر عبر الورشات العديدة المفتوحة هنا وهناك، وهي مشاريع تنموية تحتاج إليها المنطقة كثيرا، حيث أكد رئيس الدائرة مرزاق عبيد أنه بفضل عودة الأمن والهدوء استعاد السكان ملكية أراضيهم واستعادوا طعم الحياة، وأضحت التنمية جلية بمنطقة البابور، ومن ضمن الملايير التي تمّ استثمارها خلال السنتين الأخيرتين تم تخصيص أكثر من 156 مليون دج لفك العزلة عن القرى التابعة لبلديتي هذه الدائرة (البابور وسرج الغول)، حيث شكلت عزلة المشاتي النقطة السوداء لهذه المنطقة الجبلية شديدة الإنحدار، كما تم تسخير حوالي 500 مليون دج من طرف الدولة خلال نفس الفترة من أجل تموين ذات البلديتين بمياه الشرب دون إحصاء مئات السكنات المنجزة أو الجاري بناؤها وعشرات المؤسسات التعليمية في الأطوار الثلاثة، أو العدد الكبير من العمليات الأخرى المتعلقة بالتهيئة الحضرية والبيئة والفلاحة والكهرباء، ولم يتبق أمام هذه المنطقة الواقعة بالجزائر العميقة سوى العمل على تسليط الضوء أكثر على المؤهلات السياحية الهائلة لسلسلة جبال البابور وحظيرتها الوطنية ب1700 هكتار التي توفر أماكن، حيث تعيش عدة أنواع حيوانات مستوطنة لجأت إليها بعد فصل إفريقيا عن أوروبا. ويجزم العديد من سكان البابور بأن السياحة حتى وإن كانت تتطلب استثمارات معتبرة (طرق ولوج إضافية وفنادق وتكوين مرشدين...)، إلا أنه بإمكانها أن تشكل حلا لجعل هذه المنطقة الجميلة تخرج نهائيا من دائرة الظل.