قال الخبير الأمني أحمد ميزاب في حوار ل السياسي أن الاستراتيجية الأمنية التي يتبعها الجيش الوطني الشعبي والمؤسسات الأمنية ، تقوم على أساس الحرب الشاملة ضد الإرهاب، وتابع حديثه بالتأكيد على قوة نجاح الجيش الوطني الشعبي في جعل بقايا الجماعات الإرهابية تموت إكلينكيا بعد أن أحكم بقبضة من حديد على نشاطاتها بدقة واحترافية عسكرية عالية جعلت عمله يتجاوز بشكل كبير ما تحققه اكبر القوات العسكرية في العالم. السياسي: كيف تقيمون الوضع الأمني في منطقة الصحراء والساحل ؟ أحمد ميزاب : نرى ما يحيط بالجزائر من تحولات وتطورات منذ 2010 بما فيها الوضع الأمني الذي يزداد تعقيدا في ليبيا ، وندرك تماما ان الجزائر تواجه موجة من الأزمات والمخاطر الأمنية منها لينة والصلبة والمتعلقة بتنامي نشاط الجماعات الإرهابية التي تملك فيه الجزائر تجربة سابقة مع مفارقة هو ان الإرهاب التي تشهده الساحة الدولية اليوم ليس ذلك الإرهاب الذي شهدناه في الجزائر، زد على ذلك التحالف العضوي لجماعات الجريمة المنظمة مع الجماعات الإرهابية، لو نأخذ الخارطة بشكل آخر نتحدث عن ما يسمى ب قاعدة في غرب افريقيا وامتداها وارتباطها بتنظيم المغرب الإسلامي وجود وانتشار في موريتانيا منطقة الساحل والصحراء وليبيا والجزائروتونس، ضف جماعات الإرهابية ناشطة في منطقة القرن الإفريقي بوكو حرام التي تحاول أن تتمدد إلى منطقة الساحل وبروز ما يسمى بنتظيم داعش ناهيك عن تجارة السلاح والمخدرات وتجارة البشر وغير ذلك من الأزمات فبالتالي فإن الجزائر بوسط كومة من الأزمات والبركان الآيل للإنفجار في اي لحظة يحتاج لاستراتيجية عمل لتفادي انعكاساته . وليبيا تشكل تهديد لكل دول الجوار بتصنيفها ب الثقب الأسود من حيث تردي الحالة الأمنية لغياب الدولة ومؤسسات الدولة وحالة العشوائية واللاأمن وانتشار فوضى السلاح وتعدد المليشيات المسلحة والتصفيات الموجودة بين الاطراف كل هذا يعقد الوضع في ليبيا والجماعات الإرهابية تستثمر في هذا المناخ لتجد فيها مقرا أو مرتكزا تنطلق من خلاله لتوجيه ضربات واستهداف امن دول الجوار . فما يسمى ب داعش تمدد في داخل مفاصل الدولة الليبيبة وأصبح يتحكم في مناطق حيوية واستراتيجية فيها وضف إلى ذلك التجربة التونسيبة الفتية في اطار التحول والانتقال الديمقراطي تواجه تحديات أمنية تفرض نفسها على الجزائر التي تحاول أن تمنع ان تكون تونس ضمن الدولة الفاشلة حيث تسعى لدعمها للخروج من هذه التحديات الأمنية . اما داخليا فإن الجزائر مرت على العشرية السوداء وخرجت منها بسلام ولكن الحرب على الإرهاب لم تنتهي والمقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب تقوم على اساس الحرب الشاملة وندرك انه هناك خلايا نائمة تحاول ان تجدد نشاطها وتتغذى على ما يحدث في المنطقة ، لذلك نجد ان العمل يرتكز على تفكيك هذه الخلايا وعزلها . قلت أن الارهاب الذي تشهده المنطقة لا يشبه ارهاب تسعينات بالجزائر في اي نقطة يكمن الاختلاف ؟ نحن الآن امام جيل جد متقدم من الإرهاب ، في وقت الذي عاشت فيه الجزائر مرحلة الإرهاب كان يسوق لدى دول الجيران ولدى المجتمع الدولى أن الجزائر تواجه ارهاب محلي رغم ان الجزائر كانت تطرح في الساحة الدولية ففي الدورة 22 لمجلس الوزراء الداخلية العرب التي كانت في الجزائر سنة 1996 قدمت الجزائر مقاربة في مكافحة الإرهاب تم تبنيها والمصادقة عليها في 1998 بالقاهرة الجزائر كانت تقول أن الإرهاب ظاهرة دولية وليس محلية ، وأوجه الاختلاف بين إرهاب التسعينات في الجزائر والحالي يكمن في تحالفه العضوي مع الجريمة المنظمة وعابر للحدود أو ما نسميه ب الإرهاب المعولم والذي يضرب في الفكر ويحاول تدمير دول ومؤسسات وهو يجد حاضنة قد تكون دول أو منظمات أو جمعيات، نتكلم عن ارهاب منتج الذي يملك اقتصاد مصدره ليس فقط عائدات الفدية مثلا اقتصاد تنظيم ما يسمى ب داعش اصبح اقوى من اقتصاد بعض الدول مثل تونس، لديه مداخيل من البترول من بيع الاثار وسبايا ومن المخدرات ، لذلك فإن الطرح الجزائري هو تجفيف منابع تمويل الإرهاب تعدى تجريم دفع الفدية ، والإرهاب كل ما استطاع ان يكون قوي ماديا كلما توغل اكثر في عملياته الإجرامية . وعمليات التجنيد اختلفت والنوعية لم تعد بسيطة بل هم من النخب خريجي الجامعات من عائلات الغنية حيث ان المنظمات الارهابية اصبحت تستهدف صفوة المجتمع على الاطارات والكوادر سواءا في التحكم التكنولوجي والخبرات الطبية نتحدث عن ارهاب مغاير تمام حتى ليس ذلك الذي شهدناه في 2001 أو كرسته القاعدة انما نموذج متطور من الجماعات الإرهابية . المقاربة الجزائرية في حل الأزمات بالمنطقة تحضى بتأييد دولي ما سر نجاحها ؟ اولا لا بد من ان نعود إلى جزئية ان رئيس الجمهورية لما جاء لسدة الحكم قدم جملة من المعطيات تحدث تقريبا عن تشخيص ولما نرجع لتاريخ هذا الرجل ندرك انه من الدبلوماسين المحنكين والمتحكمين في ملفات السياسة الخارجية، وخاض تجربة رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974 وكانت طفرة انذاك للسياسة الخارجية الجزائرية كل هذا رصيد ننطلق من خلاله ، فالجزائر امتلكت رؤية على قراءة الأوضاع وعلى استشراف بعض الأحداث منذ البداية الجزائر خلال العهد الأربع لرئيس الجمهورية حملت عناوين كل عنوان كان لديه معنى ومغزى العهدة الأولى كانت بعنوان جزائر العزة والكرامة الثانية كانت للمصالحة الوطنية والثالثة كانت الجزائر قوية وامنة والرابعة تعاهدنا مع الجزائر ، الأولى اعادت الجزائر للحاضنة الدولية وساعدتنا الظروف واحداث 11 سبتمبر 2001 حينما سجلنا تقارب استراتيجي بين الجزائروالولاياتالمتحدةالأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب واقتناع الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمقاربة الجزائرية ، وفي العهدة الثانية كانت اعادة الإستقرار الداخلي في الجزائر وبعث آلية لضبط الأمور باعتبار ان الرصيد القومي الذي يكمن في الجزائر هو التماسك الداخلي للشعب الجزائري وهو الذي حمى الجزائر من الوقوع في براثين العشرية السوداء واما العهدة الثالثة فقد واكبت تحولات خطيرة واثبتت الجزائر فيها انها بلد الأمن والأمان حيث لم تتأثر بالأوضاع السائدة بالرغم من أن كل ما حدث كان يمس الجزائر بشكل مباشر وكان يدفع إلى محاولة تفجير الوضع الداخلي بالجزائر باعتبار أنها سوف تساهم في نشر الفوضى الأمنية بالمنطقة، لكن الجزائر عكست كل الحسابات لانها تغذت من الخلفيات التاريخية وتجارب سابقة فكانت قوية وآمنة، اما العهدة الرابعة وبكل التحديات التي تحملها هذه العهدة فإن تعاهدنا مع الجزائر للمحافظة على عزتها وكرامتها ونحافظ على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ونحن في الذكرى العاشرة منه نقف بافتخار اننا من خلاله ضبطنا الأمور في الجزائر وخرجنا من عنق الزجاجة لمرحلة جديدة واننا نسوق من خلاله لحل الأزمات الدولية . والجزائر في حلها للأزمات بالمنطقة تنطلق من ثوابت أن لا هدف مصلحي لأي قضية وهو ما برز في موقف الجزائر من الملف المالي، وكيف تحدت القوى الفاعلة دوليا وكيف حطمت التدخل الأجنبي على صخرة المفاوضات ، الجزائر منذ 2011 منذ اندلعت الثورة في لبييا قدمت قراءة صحيحة للمجتمع الدولي حتى حلف الناتو في بداية هذه السنة اعترف بان الجزائر لم تكن خاطئة ، الجزائر كانت تدرك جيدا إلى أين ستتجه انطلاقا من دراسة حقيقية لبنية النظام الليبي، الجزائر حذرت من مغبة التلاعب بالملف السوري وتسويقه على اساس ثورة شعبية والدول العربية وجدت نفسها في موقف محرج الآن بعد بروز مواقف الدول الكبرى ، الجزائر لا تحتاج لريادة فهي رائدة بموجب الصفات الموجودة فيها حتى في التصنيفات الدولية الجيش الجزائري في مراكز متقدمة وهو ما يبرز في تصنيفات الدولية ، منذ 2011 الجزائر شغلها الشاغل تأمين الحدود وحل القضايا الإقليمية وأجلنا بعض القضايا الداخلية لهذه الاسباب، لذلك مواقف الجزائر واضحة . هل تعتقد أن مواقف الجزائر الثابتة عرضها للاستفزازات من قبل بعض الدول على غرار المغرب ؟ الجزائر لا تقبل بتوظيفها من قبل اي دولة لتمرير مصالحها الخاصة فمواقفها ثابتة ، وهو ما برز حينما تمسكت بعدم تدخل جيشها في ليبيا ومالي وهناك مخابر لضرب استقرار الجزائر والهدف ان الجزائر معنية بخارطة اعادة تقسيم المنطقة ومعنية بمحاولات ضرب استقرارها والجزائر شبه قارة سواء جغرافيا او بشريا او من حيث الثروات الطبيعية من حيث القدرة العسكرية وهو ما يثير حفيظة البعض الذين يسعون لإدخال الجزائر في دوامة، والجزائر تتعرض لمضايقات واستفزازات لثبات مواقفها فهي لا تقدم تصريحات غير مدروسة انما تتعامل بضبط نفس وباطلاع عميق للملفات المطروحة، وفي القمة 70 للامم المتحدة ظهر بقوة تسويق المقاربة الجزائرية حول السلم والمصالحة ومكافحة الارهاب ونجحت الجزائر في رفع توصيات منتدى الجزائر حول مكافحة الارهاب للامم المتحدة ، هناك نشاط دبلوماسي والقدرة على التأثير ، المضايقات المغربية تعودنا عليها لحسابات أخرى برغم من ان ملف الصحرواي مطروح امميا وواضح انه تصفية استعمار. نجح الجيش الوطني الشعبي في ضبط الامن على الحدود بحنكة واحترافية وقوة على الميدان ، فما تكمن نقاط قوته حسبكم ؟ تحية اكبار واجلال لقوات الجيش المرابط على الحدود ولو نعيش معهم 24 ساعة سندرك تماما ما معنى مرابط على الحدود في ظل ظروق قاسية وتحديات كبيرة، واعتقد على مستوى أمن الحدود الجزائر تحركت على محورين اولهما ضبط الحدود ومنع اي محاولات اختراقه ، والعمل على الحدود قائم على مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وبيانات وزارة الدفاع الوطني اليومية تظهر نجاحات أفراد الجيش على الحدود ، الكل يلمس هذا النشاط وهذا في اطار إستراتيجية أمنية ليست آنية ولا لحظية وانما بمنضور قريب ومتوسط وطويل المدى والقائم على اليقظة الإستراتيجية ، حيث ان الجزائر تدرك إمكانياتها وامكانيات العدو وتعرف كيفيات تحركه لذلك تنجح في احباط المخططات ومحاولات الاختراق ، واليقظة الاستراتيجية تعود للادراك والحس الامني للمؤسسة العسكرية في الجزائر ، والمحور الثان هو الداخلي في اطار جعل الخلايا الارهابية النائمة ميتة اكلينكيا اما تفكيكها او قتلها اكلينكيا تزامنا مع ما يحدث في الحدود ولو وصلت لها الإمداد لكانت خلايا نشطة . هل يمكن ان نقول بداية نهاية بقايا الجماعات الإرهابية التي تمكن الجيش من عزلها؟ الجزائر في مسار الحرب الشاملة على الإرهاب ومزال هنالك ارهاب على الحدود ، وهناك تنسيق كامل بين افراد الجيش وبين باقي الاسلاك الامنية وهو ما منح قوة وديناميكية عمل فعمليات توقيفات تكون متزامنة مع بعضها البعض فالمعلومة تجول بآلية تمنح الافضلية للمؤسسات الامنية في الجزائر ، المفهوم الأمني يقول لا يجب ان نقول الإرهاب انتهى جذريا يجب سقف ومسافة حدود أمنية ، وهذا حتى لا تقل درجة اليقظة ، والمواطن يجب ان يتغذى للمساهمة في العملية الامنية كشريك اصيل ، فالحاضنة الاجتماعية التي افتقدتها الجماعات الارهابية ساهمت بشكل كبير جدا في الحد من خطرها ، ولا يجب التسويق لخطاب تم القضاء على الارهاب لأن ما يحيط بالجزائر يستدعي ذلك، والنشاطات المعزولة لبقايا الجماعات الإرهابية ليست عودة للعمليات الإرهابية إنما محاولات منفردة ومعزولة ، والجزائر تسعى لتصفير الأخطار الأمنية وهو ما يعتبر صعب جدا والجيش احكم بقبضة من الحديد على نشاطات الجماعات الإرهابية وجعلها ميتة إكلينكيا، وحافظ على مساحة من الامن بمبدأ الحرب ضد الإرهاب لا ينتهي . هل يمكن القول أن العمل المميز للجيش في تفكيك خلايا الإسناد للارهاب منحها أفضلية في احباط المخططات الإجرامية ؟ تفكيك الجيش لخلايا الإسناد وعزل أخرى وتوجيه ضربات وحجز الأسلحة وقطع الطريق للإمداد لبقايا الجماعات الإرهابية ، وما حققه من عمل يتجاوز بشكل كبير ما تحققه اكبر القوات العسكرية في العالم .